للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فتاة بتولًا، وكان زكريا زوج أختها كفلها، فكانت معه، فكان يدخل عليها يُسَلِّمُ عليها، فتُقَرِّبُ إليه فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، فدخل عليها زكريا مرَّة، فقرَّبت إليه بعض ما كانت تُقَرِّب، {قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعا زكريا ربه} إلى قوله: {آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا زمرا} [آل عمران: ٣٧ - ٤١]. قال: يُخْتَمُ على لسانك فلا تكلِّمُ الناس {ثلاث ليال سويا}: صحيحًا. {فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم} كتب لهم {أن سبحوا بكرة وعشيا}. قال: فبينما هي جالسة في منزلها إذا رجل قائم بين يديها قد هَتَكَ الحُجُبَ، فلمّا رأته قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا}. قال: فلما ذكرت الرحمن فزع جبريل - عليه السلام -، قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} إلى قوله: {وكان أمر مقضيا}. فنفخ في جيبها جبريلُ، فحملت، حتى إذا أثْقَلَتْ وجِعَتْ ما توجع النساء، وكانت في بيت النبوة، فاستحيت، وهربت حياءً مِن قومها، فأخذت نحو المشرق، وخرج قومها في طلبها، فجعلوا يسألون: رأيتم فتاة كذا وكذا؟ فلا يخبرهم أحد، وأخذها {المخاض إلى جذع النخلة} فتساندت إلى النخلة، قالت: {يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا} قال: حيضة من حيضة، {فناداها من تحتها} قال: جبريل مِن أقصى الوادي: {أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا} قال: جدولًا، {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا}. فلمّا قال لها جبريلُ اشتدَّ ظهرها، وطابت نفسها، فقطعت سَرَرَه (١)، ولفَّته في خِرْقَة، وحملته، فلقي قومها راعي بقر وهم في طلبها، قالوا: يا راعي، هل رأيت فتاة كذا وكذا؟ قال: لا، ولكن رأيت الليلة مِن بقري شيئًا لم أره منها قطُّ فيما خلا. قال: وما رأيتها منها؟ قال: رأيتها باتت سُجَّدًا نحو هذا الوادي. فانطلقوا حيث وصف لهم، فلما رأتهم مريم جلست، وجعلت تُرضِع عيسى، فجاؤوا حتى وقفوا عليها، فقالوا: {يا مريم لقد جئت شيئا فريا} قال: أمرًا عظيمًا، {فأشارت إليه} أن كلِّموه، فعجبوا منها، {قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبي}؟! والمهد: حِجْرُها. فلما قالوا ذلك ترك عيسى ثديَها، واتَّكأ على يساره، ثم تكلم، {قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي


(١) سَرَرَه: ما يقطع من النقرة التي في وسط بطن الوليد، وهي السُّرة. لسان العرب (سرر).

<<  <  ج: ص:  >  >>