للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدنيا بزينة يعلم فرعون حين ينظر إليها أنّ مقدرته تعجز عن مثل ما أوتيتما فعلتُ، ولكني أرغب بكما عن ذلك، وأزْوِيه عنكما، وكذلك أفعل بأوليائي، وقديمًا ما خرتُ لهم عن ذلك، فإنِّي لَأذُودُهم عن نعيمها ورخائها كما يذود الراعي الشفيقُ غنمَه عن مواقع الهَلَكَة، وإنِّي لَأُجَنِّبهم سلوها وعيشها كما يجنب الراعي الشفيق إبلَه عن مَبارِكِ العُرَّة (١)، وما ذاك لهوانهم عَلَيَّ، ولكن ليستكملوا نصيبهم مِن كرامتي سالمًا مُوَفَّرًا لم تَكْلَمُه الدنيا، ولم يُطْغِه الهوى، واعلم أنه لم يتزين إلَيَّ العبادُ بزينةٍ هي أبلغُ فيما عندي مِن الزهد في الدنيا؛ فإنّه زينة المتقين، عليهم منه لباسٌ يعرفون به من السكينة والخشوع، سيماهم في وجوههم مِن أثر السجود، أولئك هم أوليائي حقًّا، فإذا لَقِيتَهم فاخفض لهم جناحك، وذلِّل لهم قلبك ولسانك، واعلم أنه مَن أهان لي ولِيًّا أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة وبادَأَنِي، وعرض لي نفسه ودعاني إليها، وأنا أسرع شيء إلى نُصرة أوليائي، فيظن الذي يحاربني أن يقوم لي؟! أو يظن الذي يحادني أو يعاديني أن يعجزني؟! أو يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني؟! وكيف وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة، لا أكِلُ نصرتهم إلى غيري؟! قال: فأقبل موسى إلى فرعون في مدينةٍ قد جعل حولها الأُسْدَ في غَيْضَةٍ (٢) قد غرسها، والأُسد فيها مع ساسَتِها، إذا أرسلها على أحدٍ أكلتْه، وللمدينة أربعة أبواب في الغَيْضَة، فأقبل موسى من الطريق الأعظم الذي يراه فرعون، فلما رأته الأُسْدُ صاحت صياح الثعالب، فأنكر ذلك السّاسَة، وفرقوا من فرعون، فأقبل موسى حتى انتهى إلى الباب الذي فيه فرعون، فقرعه بعصاه، وعليه جُبَّةٌ مِن صوف وسراويل، فلمّا رآه البوّاب عجب مِن جراءته، فتَرَكه، ولم يأذن له، فقال: هل تدري بابَ مَن أنت تضرب؟! إنّما أنت تضرب بابَ سيِّدك. قال: أنت وأنا وفرعون عبيدٌ لربي، فأنا ناصِره. فأخبرَ البواب الذي يليه مِن البوابين، حتى بلغ ذلك أدناهم، ودونه سبعون حاجبًا، كل حاجب منهم تحت يده مِن الجنود ما شاء الله، حتى خلص الخبر إلى فرعون، فقال: أدخلوه عَلَيَّ. فأُدْخِل، فلمّا أتاه قال له فرعون: أعرفُك؟ قال: نعم. قال: ألم نُرَبِّك فينا وليدًا؟ قال: فردَّ إليه موسى الذي ردَّ، قال فرعون: خذوه. فبادَرَ موسى فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، فحملت على الناس، فانهزموا منها، فمات منهم خمسة وعشرون ألفًا،


(١) العُرَّة: هي القَذَر. النهاية (عرر).
(٢) الغَيْضَة: مَغِيضُ ماءٍ يَجْتَمِعُ فيَنبت فيه الشجر. اللسان (غيض).

<<  <  ج: ص:  >  >>