للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالسحر ما نعمل به! فما أجرُنا إن غلبناه؟ قال لهم: أنتم أقاربي وخاصتي، وأنا صانعٌ بكم كلَّ شيء أحببتم. فتواعدوا ليوم الزينة، وأن يحشر الناس ضحى. -قال سعيد: فحدثني ابنُ عباس أن يوم الزينة اليومُ الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون والسحرة، وهو يوم عاشوراء-. فلمّا اجتمعوا في صعيد واحد قال الناسُ بعضُهم لبعض: اذهبوا بنا فلنحضُر هذا الأمر، ونتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين. يعنون بذلك: موسى وهارون استهزاءً بهما، فقالوا: يا موسى -لقدرتهم بسحرهم-، {إما أن تلقي، وإما أن نكون نحن الملقين. قال: ألقوا} [الأعراف: ١١٥ - ١١٦]. {فألقوا حبالهم وعصيهم، وقالوا: بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون} [الشعراء: ٤٤]. فرأى موسى من سحرهم ما أوجس منه خيفة، فأوحى الله إليه: أن ألق عصاك. فلمّا ألقاها صارت ثعبانًا عظيمًا فاغِرةً فاها، فجعل العصا بدعوة موسى تَلْتَبِس بالحبال، حتى صارت جَزَرًا إلى الثعبان، تدخل فيه حتى ما أبقت عصًا ولا حبلًا إلا ابتلعته، فلما عَرَف السحرةُ ذلك قالوا: لو كان هذا سحرًا لم تبتلع مِن سحرنا كل هذا! ولكن هذا مِن أمر الله - عز وجل -؛ فآمنّا بالله، وبما جاء به موسى، ونتوب إلى الله مما كنا فيه. فكسر اللهُ ظهرَ فرعون في ذلك الموطنِ وأشياعَه، فظهر الحقُ وبطل ما كانوا يعملون، فغلبوا هنالك، وانقلبوا صاغرين، وامرأة فرعون بارِزة مُتَبَذِّلَةٌ (١)، تدعو الله بالنصر لموسى على فرعون، فمَن رآها من آل فرعون ظنَّ أنها تَبَذَّلَتْ شفقةً على فرعون وأشياعه، وإنما كان حزنها وهمُّها لموسى.

فلمّا طال مكث موسى لمواعِدِ فرعون الكاذبة كلما جاء بآية وعَد عندها أن يرسل معه بني إسرائيل، فإذا كشف ذلك عنه نكث عهده، واختلف وعده، حتى أمر موسى بقومه، فخرج بهم ليلًا، فلما أصبح فرعون ورأى أنهم قد مَضَوْا بعث في المدائن حاشرين، فتبعهم جنودٌ عظيمة كثيرة، وأوحى الله إلى البحر: إذا ضربك عبدي موسى فانفرِق له اثني عشر فرقًا، حتى يجوز موسى ومن معه، ثم التَقِ بعدُ على مَن بقي مِن قوم فرعون وأشياعه. فنسي موسى أن يضرب بعصاه، فدفع إلى البحر وله قَصِيفٌ (٢)، مخافة أن يضربه موسى بعصاه وهو غافل فيصير عاصيًا، فلما تراءى الجمعان وتقاربا قال أصحاب موسى: إنا لمدركون، فافعل ما أمرك به ربُّك؛ فإنك لم تُكْذَب ولم تَكْذِب. قال: وعدني ربي إذا انتهيتُ إلى البحرِ أن ينفرق لي حتى


(١) التَّبَذُّل: ترك التزيُّن والتَّهيُّئ بالهيئة الحسَنة الجميلة على جهة التَّواضُع. النهاية (بذل).
(٢) قَصِيفٌ: صوتٌ هائِلٌ يشبه صوت الرعْد. النهاية (قصف).

<<  <  ج: ص:  >  >>