للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يُريد، ثم يأتي ماشيته من البقر فيحرقها بالنيران، ثم يأتي أيوبَ فيقول له ذلك، ويرد عليه أيوب مثل ذلك، وكذلك فعل بالإبل، حتى ما ترك له ماشية، حتى هدم البيت على ولده، فقال: يا أيوب، أرسل اللهُ على ولدك مَن هدم عليهم البيوت حتى يهلكوا! فيقول أيوبُ مثل ذلك، وقال: ربِّ، هذا حين أحسنت إلَيَّ الإحسان كله؛ قد كنت قبل اليوم يُشْغِلُني حُبُّ المال بالنهار، ويشغلني حُبُّ الولد بالليل شفقةً عليهم، فالآن أُفْرِغُ سمعي لك وبصري وليلي ونهاري بالذِّكر والحمد والتقديس والتهليل. فينصرف عدوُّ الله مِن عنده ولم يُصِب منه شيئًا مِمّا يريد، ثم إنّ الله تعالى قال: كيف رأيتَ أيوب؟ قال إبليس: أيوب قد عَلِم أنّك سَتُرَدُّ عليه مالَه وولده، ولكن سلَّطني على جسده، فإن أصابه الضُّرُّ فيه أطاعني وعصاك. فسُلِّط على جسده، فأتاه فنفخ فيه نفخةً؛ قَرِحَ من لدن قرنه إلى قدمه، فأصابه البلاءُ بعد البلاء، حتى حُمِل فوُضِع على مزبلة كُناسةٍ لبني إسرائيل، فلم يبق له مال، ولا ولد، ولا صديق، ولا أحد يقربه غير رحمة، صبرت عليه، تَصَدَّقُ، وتأتيه بطعام، وتحمد الله معه إذا حمده، وأيوب على ذلك لا يَفْتُرُ مِن ذِكْرِ الله، والتحميد، والثناء على الله، والصبر على ما ابتلاه الله. فصرخ إبليس صرخةً جمعَ فيها جنوده من أقْطارِ الأرضين جزعًا من صبر أيوب، فاجتمعوا إليه، وقالوا له: اجتمعنا إليك؛ ما أحزنك؟ ما أعياك؟ قال: أعياني هذا العبدُ الذي سألتُ ربي أن يُسَلِّطَني على ماله وولده، فلم أدع له مالًا ولا ولدًا، فلم يَزْدَد بذلك إلا صبرًا وثناءً على الله تعالى، وتحميدًا له، ثم سُلِّطتُ على جسده فتركتُه قُرْحَةً ملقاةً على كُناسَةِ بني إسرائيل، لا يقربه إلا امرأته، فقد افْتَضَحْتُ بربي، فاستعنت بكم لتعينوني عليه. فقالوا له: أين مكرُك؟! أين علمُك الذي أهلكتَ به مَن مضى؟! قال: بطل ذلك كله في أيوب، فأشِيروا عَلَيَّ. قالوا: نُشِير عليك، أرأيت آدم حين أخرجتَه من الجنة، مِن أين أتيته؟ قال: مِن قِبَل امرأته. قالوا: فشأنُك بأيوب مِن قِبَل امرأته، فإنّه لا يستطيع أن يعصيها، وليس أحد يقربه غيرها. قال: أصبتم. فانطلق حتى أتى امرأتَه وهي تَصدَّقُ، فتَمَثَّل لها في صورة رجل، فقال: أين بعلُكِ، يا أمة الله؟ قالت: ها هو ذاك يحكُّ قروحه، ويتردَّدُ الدُّودُ في جسده. فلمّا سمِعها طمِع أن تكون كلمةَ جَزَع، فوضع في صدرها، فوسوس إليها، فذكَّرها ما كانت فيه مِن النِّعَم والمال والدواب، وذكَّرها جمال أيوب وشبابه، وما هو فيه مِن الضُّرِّ، وأنّ ذلك لا ينقطع عنهم أبدًا، فصَرَخَت، فلمّا صرخت علِم أن قد صرخت وجزعت، فأتاه بِسَخْلَةٍ، فقال: لِيذبح هذا إلَيَّ أيوبُ ويَبْرَأ. فجاءت

<<  <  ج: ص:  >  >>