للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تصرخ: يا أيوب، يا أيوب، حتى متى يعذبك ربُك؟! ألا يرحمك؟! أين المال؟! أين الشباب؟! أين الولد؟! أين الصديق؟! أين لونك الحسن، وقد تغير وصار مثل الرماد؟! أين جسمك الحسن الذي قد بلي وتَردَّد فيه الدواب؟! اذبح هذه السخلةَ واسترح. قال: أيوب: أتاكِ عدوُّ اللهِ فنفخَ فيكِ، فوجد فيكِ رِفَقًا فأجبتِه! ويلكِ! أرأيتِ ما تبكين عليه مما تذكرين مِمّا كُنّا فيه؛ من المال والولد والصحة والشباب، مَن أعطانيه؟ قالت: الله. قال: فكم مُتِّعنا به؟ قالت: ثمانين سنة. قال: فمُذ كم ابتلانا اللهُ بهذا البلاء الذي ابتلانا به؟ قالت: منذ سبع سنين وأشهرٍ. قال: ويلكِ! واللهِ، ما عدلتِ، ولا أنصفتِ ربَّكِ، ألا صبرتِ حتى نكون في هذا البلاء الذي ابتلانا ربُّنا ثمانين سنة كما كُنّا في الرخاء ثمانين سنة! واللهِ، لئن شفاني الله لأجلدنَّكِ مائة جلدة؛ حيت أمرتيني أن أذبح لغير الله، طعامك وشرابك الذي أتيتيني به عليَّ حرام، وأن أذوق شيئًا مما تأتيني به بعد إذ قلت لي هذا، فاغرُبي عَنِّي فلا أراكِ. فطُرِدَتْ، فذهبتْ، فقال الشيطان: هذا قد وطََّن نفسه ثمانين سنة على هذا البلاء الذي هو فيه! فباء بالغلبة، ورفضه، ونظر إلى أيوب قد طرد امرأته، وليس عنده طعامٌ ولا شراب ولا صديق، ومرَّ به رجلان وهو على تلك الحال -ولا واللهِ، ما على ظهر الأرض يومئذ أكرم على الله مِن أيوب-، فقال أحدُ الرجلين لصاحبه: لو كان لله في هذا حاجة ما بلغ به هذا. فلم يسمع أيوبُ شيئًا كان أشد عليه مِن هذه الكلمة؛ فقال: رب، {مسني الضر}. ثم رد ذلك إلى الله، فقال: {وأنت أرحم الراحمين}. فقيل له: {اركض برجلك هذا مغتسل بارد} [ص: ٤٢]. فرَكَض برجله، فنَبَعَتْ عينُ ماء، فاغتسل منها، فلم يبق مِن دائه شيء ظاهر إلا سقط، فأذهب الله كُلَّ ألم وكُلَّ سقم، وعاد إليه شبابُه وجمالُه أحسن ما كان، ثم ضرب برجله فنبعت عينٌ أخرى، فشرب منها، فلم يبق في جوفه داءٌ إلا خرج، فقام صحيحًا، وكُسِي حُلَّةً، فجعل يلتفت فلا يرى شيئًا مِمّا كان له مِن أهلٍ ومال إلا وقد أضعَفَه الله له، حتى ذكر لنا: أنّ الماء الذي اغتسل به تطاير على صدره جَرادًا من ذَهَبٍ، فجعل يضمُّه بيده، فأوحى الله إليه: يا أيوب، ألم أُغْنِك؟ قال: بلى، ولكنها بركتك فمَن يشبع منها؟! فخرج حتى جلس على مكان مُشْرِف. ثم إنّ امرأته قالت: أرأيت إن كان طردني إلى مَن أكِلُه؟ أدَعُه يموت جوعًا، أو يضيع فتأكله السباع؟! لأرْجِعَنَّ إليه. فرجعت، فلا كناسة ترى، ولا تلك الحال التي كانت، وإذا الأمور قد تغيرت، فجعلت تطوف حيث الكناسة وتبكي، وذلك بعين أيوب، وهابت صاحب الحُلَّة أن

<<  <  ج: ص:  >  >>