مِسْطَح، فعثَرتْ، فقالت: تَعِس مِسْطَح. فقلت: أي أُمّ، تَسُبِّين ابنَك؟! فسكتت، ثم عثرت الثانية، فقالت: تَعِس مِسْطَح. فقلتُ لها: أيْ أم، تسبين ابنكِ؟! ثم عثرت الثالثة، فقالت: تَعِس مِسْطَح. فانتَهَرْتُها، فقالت: واللهِ، لم أسُبَّه إلا فيكِ. فقلت: فِيَّ؛ أي شأني؟! فبَقَرَت لي الحديث، فقلتُ: وقد كان هذا؟! قالت: نعم، والله. فرجعت إلى بيتي كأنّ الذي خرجت له لا أجد منه قليلًا ولا كثيرًا، ووعكت، فقلتُ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرسِلْني إلى بيت أبي. فأرسل معي الغلام، فدخلت الدارَ، فوجدت أمَّ رَوْمان في السفل، وأبا بكر فوق البيت يقرأ، فقالت أمي: ما جاء بك، يا بنية؟ فأخبرتها، وذكرت لها الحديث، وإذا هو لم يبلغ منها مثل ما بلغ مِنِّي، فقالت: يا بُنَيَّة، خفضي عليك الشأن، فإنّه -واللهِ- لقَلَّما كانت امرأةٌ حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا حَسَدْنها، وقيل فيها. قلت: وقد علم به أبي؟ فقالت: نعم. قلت: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: نعم. فاسْتَعْبَرْتُ وبكيت، فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ، فنزل، فقال لأمي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الذي ذُكِر مِن شأنها. ففاضت عيناه، فقال: أقسمتُ عليك -أي بنية- إلا رجعتِ إلى بيتك. فرجعتُ. ولقد جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيتي، فسأل عني خادمي، فقالت: لا، واللهِ، ما علمتُ عليها عيبًا إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاةُ فتأكلُ خميرَها أو عجينها. وانتهرها بعضُ أصحابه، فقال: اصدقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. حتى أسقطوا لها به، فقالت: سبحان الله! ما علمتُ عليها إلا ما يعلم الصائِغُ على تِبْرِ الذهب الأحمر. وبلغ الأمرُ إلى ذلك الرجل الذي قيل له، فقال: سبحان الله! واللهِ، ما كشفتُ كَنَف أُنثى قَطُّ. قالت عائشة: فقُتِل شهيدًا في سبيل الله. قالت: وأصبح أبواي عندي، فلم يزالا حتى دخل عَلَيَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وقد صَلّى العصرَ، ثم دخل وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالي، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:«أما بعدُ، يا عائشة، إن كنتِ قارفتِ سوءًا أو ظلمتِ فتوبي إلى الله؛ فإنّ الله يقبل التوبة عن عباده». قالت: وقد جاءت امرأةٌ من الأنصار فهي جالسة بالباب، فقلت: ألا تستحي مِن هذه المرأة أن تذكر شيئًا؟! فوعظ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فالتفتُّ إلى أبي، فقلتُ: أجبه. قال: ماذا أقول؟ فالتفتُّ إلى أمي، فقلتُ: أجيبيه. قالت: أقول ماذا؟ فلمّا [لم] يجيباه تشهدتُ، فحمدت الله، وأثنيت عليه، ثم قلت: أما بعد، فواللهِ، لئن قلتُ لكم: إني لم أفعل. واللهُ يشهد إني لصادقة؛ ما ذاك بنافعي عندكم، وقد تكلمتُم به، وأُشْرِبَتْه قلوبُكم، وإن قلت: إني فعلت. واللهُ يعلم أني لم أفعل؛ لَتَقُولُنَّ: قد باءت به على نفسها.