فقالت له: ربي وربك وربُّ كل شيء الله. فقال لها: فإنِّي ذابِحٌ ابنَك في فيك إن لم ترجعي. فقالت له: اقضِ ما أنت قاض. فذبح ابنَها في فيها، وإنّ روح ابنها بشَّرَها، فقال لها: اصبري، يا أُمَّه، فإنّ لكِ عند الله مِن الثواب كذا وكذا. فصبرت، ثم أتى عليها فرعونُ يومًا آخر، فقال لها مثل ذلك، فقالت له مثل ذلك، فذبح ابنها الأصغر في فيها، فبشرها روحه أيضًا، وقال لها: اصبري، يا أُمَّه، فإنّ لكِ عند الله من الثواب كذا وكذا. وذلك كله بعين امرأة فرعون، وسمعت كلام روح ابنها الأكبر ثم الأصغر، فآمَنَتْ امرأةُ فرعون، وقبض روح امرأة خازن فرعون، وكشف الغطاء عن ثوابها ومنزلتها وكرامتها في الجنة لامرأة فرعون حتى رأته، فازدادت إيمانًا ويقينًا وتصديقًا، واطَّلع فرعون على إيمانها، فخرج إلى الملأ، فقال لهم: ما تعلمون مِن آسية بنت مزاحم؟ فأثْنَوْا عليها، فقال لهم: فإنّها تعبد ربًّا غيري. فقالوا له: اقتلها. فأَوْتَد لها أوتادًا، وشدَّ يديها ورجليها، فدعت آسيةُ ربها، فقالت:{رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين}. فكُشِف لها الغطاء، فنظرت إلى بيتها بيِّنًا في الجنة، ووافق ذلك أن حضرها فرعون، فضحكت حين رأت بيتها بيِّنًا في الجنة، فقال فرعون: ألا تعجبون مِن جنونها؟! إنّا نُعَذِّبها وهي تضحك! فقبض روحها. وإنّ مؤمنًا مِن آل فرعون كان يتعبَّد في جبل، فرآه رجلٌ، فأتى فرعون، فأخبره، فدعاه فرعون، فقال له: ما هذا الذي بلغني عنك؟ فقال لهم المؤمن: يا أيها الملأ، مَن ربكم؟ فقالوا: فرعون. قال: فإنِّي أشْهَد أنّ ربي وربكم واحد. فكذَّب فرعونُ الرجلَ الذي أتاه فأخبره عنه بإيمانه، فقتله (١). (ز)
٥٨١٠٢ - عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نجيح- قال: لقد ذُكِر لنا: أنّه كان لَيَأْمُر بالقَصَب، فيُشَقَّ حتى يجعل أمثال الشِّفار، ثم يُصَفُّ بعضُه إلى بعض، ثم يُؤتى بحبالى مِن بني اسرائيل، فيُوقَفْن عليه، فيَحُزَّ أقدامهن، حتى إن المرأة منهم لَتَمْصَعُ بولدها، فيقع بين رجليها، فتظلُّ تَطَؤُه، وتتقي به حَدَّ القصب عن رجليها لما بلغ مِن جهدها، حتى أسرف في ذلك، وكاد يُفنيهم، قيل له: أفنيتَ الناسَ، وقطعت النسلَ، وإنّما هم خَوَلُك وعُمّالك، فتأمر أن يقتلوا الغِلمان عامًا، ويستحيوا عامًا. فوُلِد هارون في السنة التي يُسْتَحْيا فيها الغلمان، ووُلِد موسى - عليه السلام - في السنة التي
(١) أخرجه آدم بن أبي إياس -كما في تفسير مجاهد ص ٥٢٢ - ٥٢٤ - .