للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الخلائق، فيكون أول ما يُقضى فيه في الدماء، ويأتي كل مَن قُتل في سبيل الله يحمل رأسه، وتَشْخُبُ (١) أوداجه دمًا، فيقولون: يا ربَّنا، قتَلَنا فلان وفلان. فيقول الله -وهو أعلم-: لِمَ قُتِلتم؟ فيقولون: يا ربنا، قُتِلنا لتكون العِزَّة لك. فيقول الله لهم: صدقتم. فيجعل الله لوجوههم نورًا مثل نور الشمس، ثم تشيّعهم الملائكة إلى الجنة، ويأتي مَن كان قُتِل على غير ذلك، يحمل رأسه وتَشْخُب أوداجه، فيقولون: يا ربنا، قتَلَنا فلان وفلان. فيقول: لِمَ؟ -وهو أعلم- فيقول: لِتكون العِزَّة لي. فيقول الله: تَعِست. ثم ما يبقى نفس قَتلها إلا قُتِل بها، ولا مظلمة ظَلمها إلا أُخِذ بها، وكان في مشيئة الله؛ إن شاء عذّبه، وإن شاء رحمه، ثم يقضي الله بين مَن بقي مِن خلْقه حتى لا يبقى مظلمة لأحد عند أحد إلا أخذها الله للمظلوم من الظالم، حتى إنّه ليكلَّف يومئذ شائب اللبن للبيع، الذي كان يشوب اللبن بالماء ثم يبيعه، فيُكلّف أن يُخلِّص الماء من اللبن.

فإذا فرغ الله مِن ذلك نادى نداءً أسمع الخلائق كلهم: ألا لِيلحقْ كلُّ قوم بآلهتهم وما كانوا يعبدون من دون الله. فلا يبقى أحدٌ عبد مِن دون الله شيئًا إلا مُثِّلَت له آلهته بين يديه، ويُجعل يومئذ مَلَك من الملائكة على صورة عُزَير، ويُجعل مَلَك من الملائكة على صورة عيسى، فيتبع هذا اليهود، وهذا النصارى، ثم يعود بهم آلهتهم إلى النار، فهي التي قال الله: {لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأنبياء: ٩٩]، فإذا لم يبق إلا المؤمنون وفيهم المنافقون، فيقول: يا أيها الناس، ذهب الناسُ، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون. فيقولون: واللهِ، ما لنا إله إلا الله، وما كنا نعبد غيره. فيقال لهم الثانية، والثالثة، فيقولون مثل ذلك، فيقول: أنا ربُّكم، فهل بينكم وبين ربكم آيةٌ تعرفونه بها؟ فيقولون: نعم. فيكشِف عن ساق، ويريهم ما شاء الله أن يريهم، فيعرفون أنَّه ربهم، فيخرّون له سُجّدًا لوجوههم، ويخرّ كلُّ منافق على قفاه؛ يجعل الله أصلابهم كصَيَاصِيّ البقر (٢)، ثم يأذن الله لهم، فيرفعون رؤوسهم، ويُضرَب الصِّراط بين ظهراني جهنم كدّقة الشعر، أو كحدّ السيف، عليه كلاليب وخطاطيف وحَسَكٌ (٣) كحَسَك السَّعْدان (٤)، دونه جسر دَحْضٌ (٥)


(١) الشَّخْبُ: السيلان. النهاية (شخب).
(٢) صياصي البقر: قرونها، واحدتها صِيصِيَة. النهاية (صيص).
(٣) الحسك: شوكة صلبة معروفة. النهاية (حسك).
(٤) السعدان: نبت ذو شوك، وهو من أطيب مراعي الإبل ما دام رَطْبًا. لسان العرب (سعد).
(٥) الدحض: الزلَق. النهاية (دحض).

<<  <  ج: ص:  >  >>