للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجنّة أعناقهم، فقيل: مَن هذا الذي قد أُذِن له على الله؟ فقيل: هذا الذي قد اتَّخذه الله خليلًا، وجُعِلَت النار عليه بردًا وسلامًا؛ إبراهيم، قد أُذن له على الله. ثم أُذن لرجل آخر على الله بين يديه أمثال الجبال مِن النور، يُسمَع معه دويّ تسبيح الملائكة، وصَفْق أجنحتهم، فمَدّ أهلُ الجنّة أعناقهم، فقيل: مَن هذا الذي قد أُذِن له على الله؟ فقيل: هذا الذي اصطفاه الله برسالته، وقرّبه نجيًّا، وكلّمه كلامًا؛ موسى، قد أُذن له على الله. ثم يُؤذن لرجل آخر معه مثل جميع مواكب النّبيّين قبله، من بين يديه أمثال الجبال مِن النور، يُسمَع دويّ تسبيح الملائكة معه، وصَفْق أجنحتهم، فمَدّ أهل الجنّة أعناقهم، فقيل: مَن هذا الذي قد أُذِن له على الله؟ فقيل: هذا أول شافع، وأول مُشفّع، وأكثر الناس واردة، وسيد ولد آدم، وأول مَن تنشقّ عن ذؤابته الأرض، وصاحب لواء الحمد، قد أُذِن له على الله. فجلس النّبيّون على منابر النور، والصِّدّيقون على سُرر النور، والشهداء على كراسي النور، وجلس سائر الناس على كُثْبان المِسْك الأذْفر الأبيض، ثم ناداهم الرّبّ تعالى مِن وراء الحُجُب: مرحبًا بعبادي وزُوّاري وجيراني ووفْدي، يا ملائكتي، انهَضُوا إلى عبادي فأطعِموهم. فقَرّبتْ إليهم مِن لحوم طيرٍ كأنها البُخْتُ، لا ريش لها ولا عَظْم، فأكَلوا، ثم ناداهم الرّبّ - عز وجل - مِن وراء الحُجُب: مرحبًا بعبادي وزواري وجيراني ووفدي، أكَلوا؟ اسقُوهم. فنهض إليهم غِلمانٌ كأنهم اللؤلؤ المكنون بأباريق الذهب والفِضّة بأشربةٍ مختلفة لذيذة، لذّة آخرها كلذّة أولها، لا يُصدّعون عنها ولا يُنزِفون. ثم ناداهم الرّبّ - عز وجل - من وراء الحُجُب: مرحبًا بعبادي وزُوّاري وجيراني ووفْدي، أكلوا وشربوا؟ فكِّهوهم. فيُقَرّب إليهم على أطباق مُكلَّلة بالياقوت والمَرْجان، مِن الرّطب الذي سمّى الله، أشدّ بياضًا من اللبن، وأطيب عذوبة من العسل. فأكلوا، ثم ناداهم الرّبّ مِن وراء الحُجُب: مرحبًا بعبادي وزوّاري وجيراني ووفْدي، أكلوا وشربوا وفَكِهوا؟ اكسُوهم. ففُتِحتْ لهم ثمار الجنة بحُلَلٍ مصقُولة بنور الرحمن، فأُلبِسوها، ثم ناداهم الرّبّ - عز وجل - من وراء الحُجُب: مرحبًا بعبادي وزوّاري وجيراني ووفْدي، أكلوا وشربوا وفَكِهوا وكُسوا؟ طيِّبوهم. فهاجتْ عليهم ريح -يُقال لها: المُثيرة- بأباريق المِسْك الأبيض الأذْفر، فنَفَحَتْ (١) على وجوههم من غير غُبار ولا قَتامٍ (٢)، ثم ناداهم الرّبّ - عز وجل - من وراء الحُجُب: مرحبًا بعبادي وزوّاري وجيراني


(١) نَفْح الريح: هُبُوبُها. ونَفَحَ الطِّيبُ: إذا فاحَ. النهاية (نفح).
(٢) القَتام: الغُبار. لسان العرب (قتم).

<<  <  ج: ص:  >  >>