للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلى وليّي، فائتني به، فإني قد جرّبتُه بالسّراء والضّراء فوجدته حيث أُحِبّ، فائتني به لأريحه مِن هموم الدنيا وغمومها. فينطَلِق إليه مَلك الموت، ومعه خمسمائة من الملائكة، معهم أكفان وحَنوط مِن حَنوط الجنة، ومعهم ضَبائِر (١) الرّيحان، أصل الريحانة واحد، وفي رأسها عشرون لونًا، لكلّ لون منها ريح سوى ريح صاحبه، ومعهم الحرير الأبيض، فيه المِسك الأَذْفر (٢)، فيجلس مَلك الموت عند رأسه، وتَحْتَوشه (٣) الملائكة، ويضع كلّ مَلك منهم يده على عضو من أعضائه، ويُبسط ذلك الحرير الأبيض والمْسك الأَذْفَر تحت ذقنه، ويُفتح له باب إلى الجنة، فإنّ نفسه لتَعَلَّلُ (٤) عند ذلك بطرف الجنة؛ مرّة بأزواجها، ومرّة بكسوتها، ومرّة بثمارها، كما يُعلِّل الصبيَّ أهلُه إذا بكى، وإنّ أزواجه ليَبْتَهِشن (٥) عند ذلك ابتهاشًا، وتنزو الرّوح نَزوًا، ويقول مَلك الموت: اخرُجي، أيتها الروح الطيّبة، إلى سِدر مخضود، وطلْح ممدود، وظِلٍّ ممدود، وماء مسكوب. ولَمَلك الموت أشدُّ تلطّفًا به من الوالدة بولدها، يَعرف أنّ ذلك الرّوح حبيب إلى ربّه، كريم على الله، فهو يلتمس بلُطفه تلك الرّوح رضا الله عنه، فتُسَلّ روحه كما تُسلّ الشّعرة من العجين، وإنّ رُوحه لتَخرج والملائكة حوله يقولون: سلام عليكم، ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون. وذلك قوله: {الَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: ٣٢]، قال: {فَأَمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ ورَيْحانٌ وجَنَّتُ نَعِيمٍ} قال: روح من جهد الموت، ورَيحان يُتلقّى به عند خروج نفسه، وجنة نعيم أمامه، فإذا قَبض مَلك الموت رُوحه يقول الرّوح للجسد: جزاك الله خيرًا، لقد كنتَ بي سريعًا إلى طاعة الله، بطيئًا عن معصيته، فهنيئًا لك اليوم، فقد نجوتَ وأنجيتَ. ويقول الجسد للرّوح مثل ذلك، وتبكي عليه بقاع الأرض التي كان يطيع الله عليها، وكلّ باب مِن السماء كان يصعد منه عمله وينزل منه رزقه أربعين ليلة، فإذا قَبضت الملائكة رُوحه أقامت الخمسمائة مَلك عند جسده، لا يَقلِبه بنو آدم لشِقٍّ إلا قَلبته الملائكة قبلهم،


(١) الضبائر: جمع ضِبارة وهي الحزمة، وكل مجتمع ضِبارة. النهاية، وتاج العروس (ضبر).
(٢) أي: طيب الريح. والذَّفَرُ بالتحريك: يقع على الطيب والكَرِيه، ويفرق بينهما بما يُضاف إليه ويُوصف به. النهاية (ذفر).
(٣) أي: يجعلونه وسطهم. تاج العروس (حوش).
(٤) تَعَلَّلَ بالأمر واعْتَلَّ: تَشاغَل. لسان العرب (علل).
(٥) يقال للإنسان إذا نظر إلى الشيء فأعجبه واشتهاه وأسرع نحوه: قد بهش إليه. النهاية (بهش).

<<  <  ج: ص:  >  >>