للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وعَلَتْه بأكفانٍ قبل أكفانهم، وحَنوط قبل حنوطهم، ويقوم مِن باب بيته إلى باب قبره صفّان مِن الملائكة، يستقبلونه بالاستغفار، ويصيح إبليسُ عند ذلك صيحةً يتصدّع منها بعض عظام جسده، ويقول لجنوده: الويل لكم! كيف خَلص هذا العبد منكم؟ فيقولون: إنّ هذا كان معصومًا. فإذا صعد مَلك الموت برُوحه إلى السماء يستقبله جبريل في سبعين ألفًا مِن الملائكة، كلّهم يأتيه ببشارة من ربه، فإذا انتهى مَلك الموت إلى العرش خَرّت الرّوحُ ساجدةً لربّها، فيقول الله لِمَلك الموت: انطلِق بروح عبدي، فضَعْه في سِدر مخضود، وطلْح منضود، وظِلٍّ ممدود، وماء مسكوب. فإذا وُضع في قبره جاءت الصلاة فكانت عن يمينه، وجاء الصيام فكان عن يساره، وجاء القرآن والذّكر فكانا عند رأسه، وجاء مشيه إلى الصلاة فكان عند رجليه، وجاء الصبر فكان ناحية القبر، ويَبعث الله عنقًا من العذاب فيأتيه عن يمينه، فتقول الصلاة: وراءك، واللهِ، ما زال دائبًا عُمره كلّه، وإنما استراح الآن حين وُضع في قبره. فيأتيه عن يساره، فيقول الصيام مثل ذلك، فيأتيه من قِبل رأسه، فيقول له مثل ذلك، فلا يأتيه العذابُ مِن ناحيةٍ فيَلتَمس هل يجد لها مَساغًا (١) إلا وجد وليّ الله قد أحْرزتْه الطاعة، فيَخرج عنه العذابُ عندما يرى، ويقول الصبرُ لسائر الأعمال: أما إنّه لم يمنعني أنْ أُباشره بنفسي إلا أنّي نظرتُ ما عندكم، فلو عجزتم كنتُ أنا صاحبه، فأما إذا أجزأتم عنه فأنا ذُخرٌ له عند الصراط، وذُخرٌ له عند الميزان. ويبعث الله مَلَكين أبصارهما كالبَرق الخاطف، وأصواتهما كالرّعد القاصف، وأنيابهما كالصياصيّ، وأنفاسهما كاللهب، يَطآن في أشعارهما، بين مَنكبي كلّ واحد منهما مسيرة كذا وكذا، قد نُزعتْ منهما الرّأفة والرحمة إلا بالمؤمنين، يقال لهما: مُنكر ونكير، وفي يد كلّ واحد منهما مِطرقة لو اجتمع عليها الثّقلان لم يُقلّوها، فيقولان له: اجلس. فيستوي جالسًا في قبره، فتسقط أكفانه في حَقْويه، فيقولان له: مَن ربّك؟ وما دينك؟ ومَن نبيّك؟ فيقول: ربي الله وحده لا شريك له، والإسلام ديني، ومحمد نبيي، وهو خاتم النبيين. فيقولان له: صدقتَ. فيدفعان القبر، فيُوَسِّعانه مِن بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن يساره، ومِن قِبَل رأسه ومِن قِبل رجليه، ثم يقولان له: انظر فوقك. فينظر، فإذا هو مفتوح إلى الجنة، فيقولان له: هذا منزلك، يا ولي الله، لَمّا أطعتَ الله. فوالذي نفس محمد بيده، إنّه لَتَصِلُ إلى قلبه فرحةٌ لا


(١) مساغًا: مدخلًا. لسان العرب (سوغ).

<<  <  ج: ص:  >  >>