في بيته في مكان كذا وكذا. فجاء أهلها، فقالوا: ما نتّهمك، ولكن أخبِرنا: أين دفنتَها؟ ومَن كان معك؟ ففتَّشوا بيته، فوجدوها حيث دفنَها، فأُخِذ، فسُجِن، فجاءه الشيطان، فقال: إن كنتَ تريد أنْ أُخرجك مِمّا أنتَ فيه فاكفر بالله. فأطاع الشيطان، وكفر، فأُخذ، فقُتل، فتبرّأ منه الشيطان حينئذ. قال طاووس: فما أعلم إلا أنّ هذه الآية أُنزِلَتْ فيه: {كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إذْ قالَ لِلْإنْسانِ اكْفُرْ} الآية (١). (١٤/ ٣٩٣)
٧٦٣٥٠ - قال مقاتل بن سليمان:{كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إذْ قالَ لِلْإنْسانِ اكْفُرْ} وذلك أنه كان راهبًا في بني إسرائيل اسمه: برصيصا، وكان في صومعته أربعين عامًا يعبد الله، ولا يُكلّم أحدًا، ولا يُشرف على أحد، وكان لا يَكِلُّ مِن ذِكر الله - عز وجل -، وكان الشيطان لا يَقدِر عليه مع ذِكره لله تعالى، فقال الشيطان لإبليس: قد غلبني برصيصا، ولستُ أقدِر عليه. فقال إبليس: اذهب، فانصب له ما نصبتَ لأبيه من قبل. وكانت جارية ثلاثة من بني إسرائيل، عظيمة الشرف، جميلة، من أهل بيت صدق، ولها إخوة، فجاء الشيطان إليها، فدخل في جوفها، فخَنقها حتى أزبدت، فالتمس إخوتُها لها الأطباء، وضربوا لها ظهرًا وبطنًا ويمينًا وشمالًا، فأتاهم الشيطان في منامهم، فقال: عليكم ببرصيصا الرّاهب، فليَدعُ لها؛ فإنه مستجاب الدعاء. فلما أصبحوا قال بعضهم لبعض: انطلِقوا بأُختنا إلى برصيصا الرّاهب، فليَدعُ لها، فإنّا نرجو البركة في دعائه، فانطلَقوا بها إليه، فقالوا: يا برصيصا، أشْرِف علينا، وكلِّمنا، فإنّا بنو فلان، وإنما جِئنا لباب حسنة وأجر. فأشرفَ، فكلّمهم، وكلّموه، فلما ردّ عليها وجد الشيطانُ خللًا، فدخل في جوفه، ووسوس إليه، فقال: يا برصيصا، هذا باب حسنة وأجر، تدعو اللهَ لها فيَشفيها. فأمرهم أن يُدخلوها الخربة، وينطلقوا هم، فأدخَلوها الخربة، ومضَوا، وكان برصيصا لا يُتّهم في بني إسرائيل، فقال له الشيطان: يا برصيصا، انزِل، فضع يدك على بطنها وناصيتها، وادعُ لها. فما زال به حتى أنزله من صَومَعته، فلما نزل خرج منه، فدخل في جوف الجارية، فاضطربتْ، وانكشفت، فلمّا رأى ذلك، ولم يكن له عهدٌ بالنساء وقع بها، قال الشيطان: يا برصيصا، يا أعبَدَ بني إسرائيل، ما صنعتَ؟! الزّنا بعد العبادة، يا برصيصا! إنّ هذه تُخبر إخوتها بما أتيتَ لها، فتُفتضح في بني إسرائيل، فاعمد إليها، فاقتلها، وادفنها في التُّراب، ثم اصعد إلى صومعتك، وتُبْ إلى الله، وتعبَّدْ، فإذا جاء إخوتها، فسألوا عنها، فأخبِرهم أنّك دعوتَ لها، وأنّ الجني طار عنها، وأنهم طاروا بها، فمَن هذا الذي
(١) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٢٨٤ - ٢٨٥. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.