للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: الشعبي، عن الحارث، عن ابن مسعود (١). (١٥/ ٦٣٥)

٨٤٧٥٦ - قال مقاتل بن سليمان: {ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ} في الآخرة {يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} يعني: كفار مكة كانوا في الدنيا في الخير والنعمة، فيُسألون يوم القيامة عن شُكر ما كانوا فيه، وأيضًا فذلك قوله: {أذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا واسْتَمْتَعْتُمْ بِها} [الأحقاف: ٢٠]، وقال: {ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} وذلك أنّ الله - عز وجل - إذا جمع الكفار في النار صرخوا: يا مالك، أُنضِجتْ لحومنا، وأُحرِقتْ جلودنا، وجاعتْ وأُعطِشتْ أفواهنا، وأُهلكتْ أبداننا، فهل إلى خروج يوم واحد من سبيل من النار! فيرُدّ عليهم مالك، فيقول: لا. قالوا: ساعة من النهار. قال: لا. قالوا: فرُدّنا إلى الدنيا، فنعمل غير الذي كُنّا نعمل. قال: فينادي مالك -خازن النار- بصوت غليظ جهير، قال: فإذا نادى حَسرت النار مِن فَرَقه، وسكن أهلها، فيقول: أبشِروا. فيَرجُون أن تكون عافية قد أتتْهم، ثم يناديهم: يا أهل النار. فيقولون: لبّيك. فيقول: يا أهل البلاء. فيقولون: لبّيك. فيقول: {أذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا واسْتَمْتَعْتُمْ بِها فاليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} [الأحقاف: ٢٠]، يا أهل الفُرُش والوسائد والنِّعمة في دار الدنيا، كيف تجدون مسَّ سقر؟ قالوا: يأتينا العذاب مِن كلّ مكان، فهل إلى أن نموت ونستريح. قال: فيقول: وعِزّة ربي، لا أزيدكم إلا عذابًا. قال: فذلك قوله: {ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} يعني: الشكر للنعيم الذي أعطاه الله - عز وجل -، فلم يهتدِ ولم يشكر، يعني: الكافر (٢) [٧٢٨٩]. (ز)


[٧٢٨٩] جاء في قول مقاتل والحسن في تفسير آية: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} ما يفيد أنّ الخطاب في الآية معنيّ به الكافرين.
وقد ذكر ذلك ابنُ القيم (٣/ ٣٥٩ - ٣٦١ بتصرف)، وانتقده مستندًا إلى السنة، وفهم السلف، والدلالة العقلية، فقال: «ليس في اللفظ ولا في السنة الصحيحة ولا في أدلة العقل ما يقتضى اختصاص الخطاب بالكفار، بل ظاهر اللفظ وصريح السنة والاعتبار يدل على عموم الخطاب لكلّ مَن اتصف بإلهاء التكاثر له، فلا وجه لتخصيص الخطاب ببعض المتصفين بذلك. ويدل على ذلك قول النبى عند قراءة هذه السورة: «يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلتَ فأفنيتَ، أو لبِستَ فأبليت؟». الحديث، وهو في صحيح مسلم. وقائل ذلك قد يكون مسلمًا، وقد يكون كافرًا، ويدل عليه أيضًا الأحاديث التى تقدّمتْ، وسؤال الصحابة النبي، وفهْمهم العموم، حتى قالوا له: وأي نعيم نُسأل عنه، وإنما هو الأسوَدان؟! فلو كان الخطاب مختصًّا بالكفار لبيَّن لهم ذلك، وقال: ما لكم ولها إنما هي للكفار، فالصحابة فهموا التعميم، والأحاديث صريحة في التعميم، والذى أُنزل عليه القرآن أقرّهم على فهم العموم ... وأيضًا فالواقع يشهد بعدم اختصاصه، وأنّ الإلهاء بالتكاثر واقع من المسلمين كثيرًا، بل أكثرهم قد ألهاه التكاثر، وخطاب القرآن عام لمن بلغه، وإن كان أول مَن دخل فيه المعاصرين لرسول الله فهو متناول لمن بعدهم، وهذا معلوم بضرورة الدين وإن نازع فيه من لا يُعتدّ بقوله من المتأخرين». وذكر أنّ حديث أبي بكر -الوارد في المتن من رواية ابن مسعود في آخره: «المؤمن لا يثرب عليه ... » - والمفيد تخصيص السؤال بالكافرين ضعيف لا يُحتجُّ به، ومع ضعفه عارضه حديث آخر لأبي بكر -وهو الوارد في المتن قبله من رواية أبي هريرة- والمفيد عموم السؤال عن النعيم لجميع الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>