وحكم ابنُ عطية (١/ ٥٤٣) على هذا القول بالشذوذ. وبَيَّنَ ابنُ تيمية (١/ ٥١٢ - ٥١٣ بتصرف) أنّ الاعتزال يحتمل اعتزالهنَّ مطلقًا، ويحتمل اعتزالَ ما يُراد منهنَّ في الغالب، وهو الوطء في الفرج. وانتقد الأول، ورجَّح الثاني مستندًا إلى القرآن، والسنة، والإجماع، فقال: «وهذا هو [يعني: الاحتمال الثاني] المرادُ بالآية لوجوه: أحدها: أنه قال: {هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض}، فذكر الحكمَ بعد الوصف بحرف الفاء، وذلك يدل على أنّ الوصف هو العِلَّة، لا سيما وهو مناسب للحكم، كقوله: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: ٣٨]، فإذا كان الأمر باعتزالهنَّ من الإيذاء إضرارًا أو تنجيسًا، وهذا مخصوص بالفَرْجِ؛ فيختص بمحل سببه. وثانيها: أنّ الإجماع مُنعَقِدٌ على أنّ اعتزال جميع بدنها ليس هو المراد، كما فسرته السُّنَّة المستفيضة، فانتفت الحقيقة المعنوية؛ فتَعَيَّن حملُه على الحقيقة العرفية، وهو المجاز اللغوي، وهو اعتزالُ الموضع المقصود في الغالب، وهو الفرج؛ لأنّه يُكْنى عن اعتزاله باعتزال المرأة كثيرًا، كما يُكْنى عن مَسِّه بالمَسِّ والإفضاء مطلقًا، وبذلك فسَّرَه ابن عباس فيما رواه ابن أبي طلحة عنه في قوله: {فاعتزلوا النساء في المحيض} بقوله: فاعتَزِلُوا نكاحَ فُرُوجِهِنَّ. فأما اعتزال الفَرْجُ وما بين السرة والركبة فلا هو حقيقة اللفظ ولا مجازه. وثالثها: أن السُّنَّة قد فسرت هذا الاعتزالَ بأنه ترك الوطء في الفرج، فروى أنس: أنّ اليهود كانت إذا حاضت امرأةٌ منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك؛ فأنزل الله: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى}، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح». وفي لفظ: «إلا الجماع». رواه الجماعة إلا البخاري».