للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كانوا غير عالمين وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين؛ لأن ضد ذلك إما عدم العلم والقول، وإما اعتقاد نقيض الحق، وقول خلاف الصدق، وكلاهما ممتنع؛ أما الأول: فلأن من في قلبه أدنى حياة، وطلب للعلم، أو نهمة في العبادة يكون البحث عن هذا الباب، والسؤال عنه، ومعرفة الحق فيه أكبر مقاصده، وأعظم مطالبه. .؛ وليست النفوس الصحيحة إلى شيء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر، وهذا أمر معلوم بالفطرة الوجدية، فكيف يتصور مع قيام هذا المقتضي -الذي هو من أقوى المقتضيات- أن يتخلف عنه مقتضاه في أولئك السادة، في مجموع عصورهم، هذا لا يكاد يقع في أبلد الخلق، وأشدهم إعراضًا عن اللَّه، وأعظمهم إكبابًا على طلب الدنيا، والغفلة عن ذكر اللَّه تعالى، فكيف يقع في أولئك! وأما كونهم كانوا معتقدين فيه غير الحق أو قائليه، فهذا لا يعتقده مسلم، ولا عاقل عرف حال القوم" (١). وسيأتي مزيد بيان لهذا في مستند أقوال السلف فيما يأتي.

وقد أقام الأئمة الخمسة تفاسيرهم على اعتماد أقوال السلف أصلًا في فهم معاني القرآن؛ يحتكم إليه، ويعتمد عليه، وتوزن به الأقوال صوابًا وخطأً، وقبولًا وردًّا؛ فقد قرر ابن جرير (ت: ٣١٠ هـ) في مقدمة تفسيره أن ضابط إصابة الحق في التفسير: عدم الخروج عن أقوال السلف؛ فقال: "أحق المفسرين بإصابة الحق في تأويل القرآن الذي إلى علم تأويله للعباد السبيل أوضحهم حجةً فيما تأول وفسر. .، كائنًا من كان ذلك المتأول والمفسر، بعد ألا يكون خارجًا تأويله وتفسيره ما تأول وفسر من ذلك عن أقوال السلف من الصحابة والأئمة، والخلف من التابعين وعلماء الأمة" (٢).

بل جعل الخروج عن أقوال السلف شاهدًا كافيًا على خطأ ذلك القول، كما في قوله: "وذلك قول لقول أهل التأويل مخالف، وكفى بخروجه عن قول أهل العلم من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم من الخالفين، على خطئه شاهدًا" (٣).

وبيَّن في كثير من المواضع من تفسيره عدم جواز القول بخلاف قول السلف وإن كان محتملًا، ومن قوله في ذلك: "وهذه الأقوال وإن كانت غير بعيدات المعنى مما تحتمله الآية من التأويل، فإن تأويل أهل التأويل من علماء سلف الأمة بخلافها؛ فلذلك لم نستجز صرف تأويل الآية إلى معنًى منها" (٤)، ورد قولًا وقال: "وهذا قول


(١) مجموع الفتاوى ٥/ ٧.
(٢) جامع البيان ١/ ٨٩.
(٣) جامع البيان ٧/ ١١٦.
(٤) جامع البيان ٢/ ١٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>