عندك لا يراها شيءٌ من خلقك إلا أنت إن شئت، فدَخَلَتْ في جوف مِن شئت من أنبيائك، فبَلغوا ما أردت من عبادك، وليس أحدٌ من ملائكتك يستطيع شيئًا من عظمتك، ولا من عرشك، ولا يسمع صوتك، فقد أنعمت عَلَيَّ، وأَعْظَمْتَ عَلَيَّ الفضل، وأحسنت إلَيَّ كُلَّ الإحسان، عَظَّمْتَنِي في أمم الأرض، وعَظَّمْتَني عند ملائكتك، وأَسْمَعْتَنِي صوتَك، وبَذَلْتَ لي كلامك، وآتيتني حِكْمَتك، فإنْ أعُدَّ نعماك لا أحصها، وإن أُرد شكرك لا أستطعه. دعوتك -ربِّ- على فرعون بالآيات العظام، والعقوبة الشديدة، فضربت بعصاي التي في يدي البحر، فانفلق لي ولِمَن معي، ودعوتُك حين أجزت البحر، فأغرقتَ عدوَّك وعدوي، وسألتُك الماء لي ولأُمَّتي، فضربتَ بعصاي التي في يدي الحَجَر، فمنه أرويتني وأُمَّتي، وسألتك لِأُمَّتي طعامًا لم يأكله أحدٌ كان قبلهم، فأمرتني أن أدعوك من قِبَل المشرق ومِن قِبَل المغرب، فناديتك من شرقي أمتي، فأعطيتني المَنَّ من مشرقي لنفسي، وآتيتهم السلوى من غَرْبِيِّهم مِن قِبَل البحر، واشتكيت الحرَّ، فناديتُك، فظَلَّلْتَ عليهم الغمام، فما أطيق نعماك عَلَيَّ أن أعدها ولا أحصيها، وإن أردت شكرها لا أستطيعها. فجِئْتُك اليومَ راغبًا طالبًا سائلًا مُتَضَرِّعًا؛ لِتُعْطيني ما مَنَعْتَ غيري، أطلب إليك وأسألك -يا ذا العظمة والعِزَّة والسلطان- أن تريني أنظر إليك، فإنِّي قد أحببتُ أن أرى وجهَك الذي لم يَرَهُ شيءٌ من خلقك. قال له ربُّ العِزَّة: ألا ترى -يا ابن عمران- ما تقول؟! تكلمت بكلام هو أعظم من سائر الخلق، لا يراني أحدٌ فيحيا، أليس في السموات معمري؟! فإنّهُنَّ قد ضعفن أن يحملن عظمتي، أوليس في الأرض معمري؟! فإنها قد ضعفت أن تسع لجندي، فلستُ في مكان واحدٍ فأتَجَلّى لعينٍ تنظر إلي. قال موسى: ربِّ، أن أراك فأموت أحبُّ إلَيَّ مِن أن لا أراك فأحيا. قال له ربُّ العِزَّة: يا ابن عمران، تكلمت بكلام هو أعظم من سائر الخلق، لا يراني أحد فيحيا. قال: ربِّ، تَمِّم عَلَيَّ نعماك، وتَمِّمْ عَلَيَّ فضلك، وتَمِّمْ عَلَيَّ إحسانك بهذا الذي سألتك، ليس لي أن أراك فأقبض، ولكن أحب أن أراك فيطمئن قلبي. قال له: يا ابن عمران، لن يراني أحدٌ فيحيا. قال موسى: ربِّ، تَمِّمْ عَلَيَّ نعماك وفضلك، وتَمِّمْ إلَيَّ إحسانك، بهذا الذي سألتُك، فأموت على إثر ذلك أحب إلَيَّ مِن الحياة. فقال الرحمنُ المُتَرَحِّم على خلقه: قد طلبتَ، يا موسى، وجئت لأُعطيتُك سُؤْلَك إن استطعت أن تنظر إلَيَّ، فاذهب فاتَّخِذْ لَوْحَيْن، ثم انظر إلى الحجر الأكبر في رأس الجبل، فإنّ ما وراءه وما دونه