للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم دعا القبائلَ التي معه من قريش فقال: هلمَّ الماءَ، قد سقانا الله تعالى، فاشربوا، واسْتَقُوا. فقالت القبائلُ التي نازَعَته: قد -واللهِ- قضى اللهُ لك علينا، يا عبد المطلب، واللهِ، لا نُخاصِمُك في زمزم أبدًا، فارجع إلى سقايتك راشِدًا. فرجع، ورجعوا معه، ولم يَمْضُوا إلى الكاهنة، وخلَّوا بينه وبين زمزم (١). (٧/ ٢٧٨)

٣١٩٣٨ - عن محمد ابن شهاب الزهري -من طريق معمر بن راشد- قال: أولُ ما ذُكِر من عبد المطلب جدِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّ قريشًا خرَجت مِن الحرم فارَّةً مِن أصحاب الفيلِ وهو غلامٌ شابٌّ، فقال: واللهِ، لا أخرُجُ مِن حَرَم الله أبتغِي العزَّ في غيرِه. فجلَس عندَ البيت، وأَجْلَتْ عنه قريش، فقال:

لاهُمَّ إنّ المرء يمـ ... ـنعُ رَحْلَه فامنَعْ رِحالَكْ

لا يَغلِبَنَّ صليبُهُمْ ... وضلالُهم عدْوًا مِحالَكْ

فلم يزَلْ ثابتًا في الحرمِ حتى أهلَك اللهُ الفيلَ وأصحابَه، فرجَعت قريشٌ وقد عظُم فيها لصبرِه وتعظيمِه محارَمَ الله، فبينما هو في ذلك وقد وُلِد له أكبرُ بَنيه فأدرَك، وهو الحارثُ بن عبد المطلب، فأُتِيَ عبدُ المطلب في المنام، فقيل له: احفِرْ زمزمَ، خَبيئةَ الشيخ الأعظم. فاستيقَظَ، فقال: اللَّهُمَّ، بيِّن لي. فأُتِيَ في المنامِ مَرَّةً أخرى، فقيل له: احفِرْ تُكْتَمَ (٢) بينَ الفرثِ والدم، في مَبحثِ الغراب، في قريةِ النمل، مُستقبلَ الأنصابِ الحُمْرِ. فقام عبدُ المطلب، فمشى حتى جلَس في المسجد الحرام ينتظرُ ما سُمِّيَ له من الآيات، فنُحِرَت بقرةٌ بالحَزْوَرةِ (٣)، فانفَلَتَتْ من جازرِها بحُشاشةِ (٤) نفسِها، حتى غلَبها الموتُ في المسجد في موضع زمزم، فجُزِرت تلك البقرةُ من مكانِها حتى احتُمِل لحمُها، فأقبَل غرابٌ يهوِي حتى وقَع في الفرث، فبحَث عن قرية النمل، فقام عبدُ المطلب فحفَر هنالك، فجاءته قريشٌ، فقالت لعبد المطلب: ما هذا الصنيع؟ إنّا لم نكنْ نَزُنُّك (٥) بالجهل، لِمَ تحفِرُ في مسجدِنا؟ فقال عبد المطلب: إنِّي لَحافرٌ هذا البئر، ومجاهِدٌ مَن صَدَّني عنها. فطَفِق هو وولدُه الحارث، وليس له ولدٌ يومئذٍ غيرُه، فسَفِه عليهما يومئذٍ ناسٌ من قريشٍ،


(١) أخرجه الأزرقي ٢/ ٤٢ - ٤٦، والبيهقي في الدلائل ١/ ٩٣ - ٩٥.
(٢) تُكتَم: اسم بئر زمزم، سميت به؛ لأنها كانت قد اندفنت بعد جرهم وصارت مكتومة، حتى أظهرها عبد المطلب. النهاية (كتم).
(٣) الحزورة: كانت سوق مكة، وقد دخلت في المسجد لما زيد فيه. معجم البلدان ٢/ ٣٦٢.
(٤) الحشاشة: روح القلب ورمق حياة النفس، وكل بقية حُشاشة، والحشاشة بقية الروح في المريض. اللسان (حشش).
(٥) زنَّه بكذا وأزنَّه: اتّهمه به وظنّه فيه. النهاية (زنن).

<<  <  ج: ص:  >  >>