وكذا رجَّحه ابنُ كثير (١/ ٢٩٦). وما رجَّحاه انتقده ابنُ جرير (١/ ٣٤١ - ٣٤٢) مستندًا إلى الدلالات العقلية، فقال: «لو كان المَثَل لِمَن آمن إيمانًا صحيحًا ثم أعلن بالكفر إعلانًا صحيحًا، لم يكن هناك من القوم خداع ولا استهزاء عند أنفسهم ولا نفاق، وإذ كان القوم لم تكن لهم إلا حالتان: حال إيمان ظاهر، وحال كفر ظاهر، فقد سقط عن القوم اسم النفاق؛ لأنهم في حال إيمانهم الصحيح كانوا مؤمنين، وفي حال كفرهم الصحيح كانوا كافرين، ولا حالة هناك ثالثة كانوا بها منافقين، وفي وصف الله -جلَّ ثناؤُه- إياهم بصفة النفاق ما يُنبِئُ عن أنّ القول غير القول الذي زعمه من زعم: أنّ القوم كانوا مؤمنين، ثم ارتدوا إلى الكفر فأقاموا عليه، إلا أن يكون قائل ذلك أراد أنهم انتقلوا من إيمانهم الذي كانوا عليه إلى الكفر الذي هو نفاق. وذلك قول إن قاله لم تدرك صحته إلا بخبر مستفيض، أو ببعض المعاني الموجبة صحته، فأما في ظاهر الكتاب فلا دلالة على صحته، لاحتماله من التأويل ما هو أولى به منه». ونقل ابن عطية (١/ ١٣٥) قولين آخرين، فقال: «وقالت فرقة: إن إقبال المنافقين إلى المسلمين وكلامهم معهم كالنار، وانصرافهم إلى مردتهم، وارتكاسهم عندهم كذهابها. وقالت فرقة: إن المنافقين كانوا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين في منزلة بما أظهروه، فلما فضحهم الله، وأعلم بنفاقهم، سقطت المنزلة، فكان ذلك كله بمنزلة النار وانطفائها».