للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلى الأرض، فلم يُكَلَّفوا من العبادة في الأرض ما كُلِّفوا في السماء، فأحبوا القيام في الأرض، فأوحى الله - عز وجل - إليهم: {إني جاعل فِي الأرض خليفة} سواكم، ورافعكم إلَيَّ. فكَرِهوا ذلك؛ لأنهم كانوا أهون الملائكة أعمالًا. {قالُوا أتَجْعَلُ فِيها} يقول: أتجعل في الأرض {مَن يُفْسِدُ فِيها} يعني: مَن يعمل فيها بالمعاصي، {ويَسْفِكُ الدِّماءَ} بغير حق كفعل الجن، {ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ} يقول: نحن نذكرك بأمرك. كقوله سبحانه: {ويُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} [الرعد: ١٣] يعني: يذكره بأمره. {ونقدس لك} ونُصَلِّي لك، ونُعَظِّم أمرك. قال الله سبحانه: {إنِّي أعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ} إنّ فِي علمي أنّكم سكان السماء، ويكون آدم وذريته سكان الأرض، ويكون منهم من يسبح بحمدي ويعبدني. فخلق آدم - عليه السلام - من طين أحمر وأبيض، من السَّبَخَةِ (١) والعَذْبَةِ؛ فَمِن ثَمَّ نسلُه أبيض وأحمر وأسود، مؤمن وكافر. فحَسَد إبليسُ تلك الصورة، فقال للملائكة الذين هم معه: أرأيتم هذا الذي لم تَرَوْا شيئًا من الخلق على خِلْقَته، إن فُضِّل عَلَيَّ ماذا تصنعون؟ قالوا: نسمع ونطيع لأمر الله. وأَسَرَّ عدوُّ الله إبليسُ في نفسه: لَئِن فُضِّل آدمُ عليه لا يطيعه، ولَيَسْتَفِزَّنَّه. فتُرِك آدمُ طينًا أربعين سنة مُصَوَّرًا، فجعل إبليس يدخل من دُبُرِه ويخرج من فِيهِ، ويقول: أنا نار وهذا طين أجوف، والنار تغلب الطين، ولأَغْلِبَنَّه. فذلك قوله - عز وجل -: {ولَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إبْلِيسُ ظَنَّهُ فاتَّبَعُوهُ إلّا فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ} [سبأ: ٢٠]، يعني: قوله يومئذ: لأغلبنه. وقوله: {لأحتنكن} يعني: لأَحْتَوِيَنَّ على {ذريته إلّا قليلا} [الإسراء: ٦٢]. فقال للرُّوح: ادخلي هذا الجَسَد. فقالت: أيْ ربِّ، أين تُدْخِلُنِي هذا الجسد المظلم؟! فقال الله -تبارك وتعالى-: ادخُلِيه كُرْهًا. فدخلته كُرْهًا، وهي لا تخرج منه إلّا كُرْهًا. ثُمَّ نُفِخ فيه الروحُ من قِبَل رأسه، فترددت الرُّوحُ فيه حتّى بَلَغَت نِصْفَ جسده موضع السُّرَّة، فعَجَّل للقعود، فذلك قوله تعالى: {وكانَ الإنْسانُ عَجُولًا} [الإسراء: ١١]. فجَعَلَت الرُّوحُ تَتَرَدَّدُ فيه، حتّى بلغت أصابع الرِّجْلَيْن، فأرادت أن تخرج منها فلم تَجِد منفذًا، فرجعت إلى الرأس، فخرجت من المِنخَرَيْنِ، فعطس عند ذلك لخروجها من مِنخَرَيْهِ، فقال: الحمد لله. فكان أول كلامه، فرد ربُّه - عز وجل -: يرحمك الله، لهذا خلقتك، تُسَبِّح بحمدي، وتُقَدِّس لي. فسبقت رحمتُه لآدم - عليه السلام -. {وعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلَّها} ثُمّ إن اللَّه تبارك وتعالى حشر الطير، والدوابَّ، وهوام


(١) السبخة: الأرض المالحة. لسان العرب (سبخ).

<<  <  ج: ص:  >  >>