للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... ضوابطه وشروطه]

[السُّؤَالُ]

ـ[بسم الله الرحمن الرحيم.

سؤالي عن مسئولية العا لم في إنكار المنكر.

هل يجوز للعا لم أن يسكت عن هذه الأمور التي يراها تحدث في بلده مخافة من السلطان مثلا؟

هل يجوز للعالم أن يدافع عن حاكم بلده حتى لوكان علي باطل؟

لماذ يختلف العلماء في أمور لم يختلف فيها من قبل مثل توارث الحكم والسلطان وهل يجوز ذلك

وماحكم الشريعة الإسلامية في ذلك؟

وجذاكم الله خيرا عني والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فلا شك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شعائر الدين العظيمة، وأعماله الظاهرة التي امتاز بها عن سائر الأديان، وله ضوابطه وشرائطه التي لابد من تحققها عند القيام بالأمر والنهي، كما أن المنكرات تختلف فمنها: الكفر البواح، ومنها: الظلم، والفسق، وكبائر الذنوب ... إلخ.

وقد وصف الله سبحانه المؤمنين بأنهم: يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فقال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:٧١] .

كما أمر الله تعالى المؤمنين بقوله: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:١٠٤] .

قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: يقول تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) .

قال الضحاك: هم خاصة الصحابة، وخاصة الرواة يعني: المجاهدين والعلماء ... والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" وفي رواية: "وليس وراء ذلك من الأيمان حبة خردل".

وقد روى الإمام أحمد من حديث حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم".

ولا شك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية، ويتعين في بعض الأحوال بحسب القدرة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، ومما قاله في ذلك: وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجب على كل أحد بعينه، بل هو على الكفاية، كما دل عليه القرآن، ولما كان الجهاد من تمام ذلك كان الجهاد أيضاً كذلك، فإذا لم يقم به من يقوم بواجبه أثم كل قادر بحسب قدرته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه" مجموع الفتاوى (٢٨/١٢٦) .

وبعد هذه المقدمة نقول: لا يجوز للعالم أن يدافع عن أحد، حاكم بلده ولا غيره إن كان على الباطل، بل الواجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيان الحق حسب الاستطاعة، فينكر بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، كما في الحديث المتقدم.

وإذا سكت العالم على الأمور المنكرة التي لا يسع السكوت عنها، ولم ينكرها ينظر في السبب الذي حمله على السكوت، هل هو الخوف على نفسه من أذى يلحقه لا يحتمله من قتل أو تعذيب؟ أم الخوف على رزقه؟ أم الخوف على انقطاع الأعطيات التي يحصل عليها من الحاكم؟ أم هو الاستسلام للأمر الواقع واليأس من عدم التغيير؟ أو الرغبة في موافقة السلطان وعدم مخالفته؟ أو غير ذلك؟

ولا يخفى أن كل صورة من هذه الصور لها حكمها المستقل، ولا يعذر في هذه الصور إلا من يخاف على نفسه القتل، أو الأذى غير المحتمل، فيجوز له السكوت، واتباع الرخصة مع الإنكار التام بالقلب، وإن أخذ نفسه بالعزيمة فحسن، لقوله صلى الله عليه وسلم: "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" رواه الحاكم وصححه.

وتعقبه الذهبي بأن حميد الصفار لا يدري من هو، لكن حسنه الألباني في صحيح الجامع، والسلسلة الصحيحة.

أما الاختلاف بين العلماء في مسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع السلطان، أو الحاكم فهي قديمة ولا زالت، وكل جيل ينظر في الخلاف المعاصر له، فيظن أنه لم يسبق له نظير، ومن تأمل التاريخ وجد الأمر على ما ذكرنا.

وما اختلاف العلماء حول مشروعية تولي الحكم عن طريق الوراثة والملك، وهل يشترط فيمن يتولاها أن ينتخب من الشعب؟ وهل يشترط أن يكون قرشياً؟ وهل تقبل إمامته إذا وصل إليها عن طريق الملك والوراثة، وغيرها من مسائل الإمامة إلا أمثلة لما ذكرنا، ومحل هذه المسائل وتفصيلها كتب السياسة الشرعية، ويمكنك الرجوع إلى ما كتب في هذا الباب، مثل كتاب: الأحكام السلطانية للماوردي، وغياث الأمم في التياث الظلم للجويني، كما يمكنك مراجعة الفتاوى المحررة في موقعنا مركز الفتوى تحت باب: السياسة، والسياسة الشرعية.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٨ جمادي الأولى ١٤٢٢

<<  <  ج: ص:  >  >>