للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الفرق بين الوسوسة والشك الذي يكفر به الإنسان]

[السُّؤَالُ]

ـ[لا أدري من أين أبدأ؟ ولا كيف أبدأ؟ فالخطايا تخنقني والذنوب أهلكتني: فأنا فتاة في ١٤ من العمر وكنت على قدر كبير من الالتزام ـ والحمد لله ـ وبدايتي كانت عندما تصفحت منتدى للملحدين لعل وعسى أن يكرمني الخالق بهداية شخص على يدي وانصدمت لما رأيت هناك، فشباب في مقتبل العمر يتطاولون على الخالق الجبار فأشفقت عليهم وحزنت لحالهم، ولكن حدث ما لم أتوقعه: أصبحت تراودني وساوس وشكوك في صحة عقيدتنا ـ وأستغفر الله ـ وأصبحت في صراع دائم مع نفسي وتراودني تساؤلات خطيرة جدا جدا، علما أنني لم أترك الفرائض ولا العبادات ولم أفرط في أي واجب، لكن مجرد ذلك التفكير جعلني أجزم بأنني خرجت من الملة ـ والعياذ بالله ـ اسودت الدنيا في وجهي وأصبحت حياتي جحيما لا يطاق، وكان رمضان الماضي محطة هامة، حيث عدت إلى الله وأصبح إيماني أقوى، لكن إحساسي بأنني ارتكبت خطيئة الشرك يقتلني والله إنني أموت في الساعة مائة مرة وأنهار يوميا ولا أدري، هل يغفر الله لي أم لا؟ وأنا لا أقنط من رحمة الله، ولكن ما فعلته من أكبر الكبائر، فهل ـ حقا ـ ظلمت نفسي وخرجت من الإسلام؟.

أرجوكم ساعدوني.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فسن الأخت السائلة ـ كما هو ظاهرـ لا يؤهلها لما أقدمت عليه من دخول مثل هذه المواقع، وقد سبق أن نبهنا ـ مرارا ـ أن محاورة الملحدين وغيرهم من أهل الزيغ والضلال لا يصلح لها كل أحد، فلابد لمن يتصدى لذلك أن يكون مؤهلا تأهيلا يجعله قادراً على كشف شبهاتهم وإيصالهم إلى توحيد رب العالمين، وإلا عادت عليه هذه الحوارات بالخسران إذا انطلت عليه شبهات المبطلين وتشربها قلبه، وراجعي في هذا المعنى: الفتاوى التالية أرقامها: ٦٣٩٥٢، ٦٣٠٨٢، ٦٢١١٠، ٣١٠١٥، ١١١٩٠٠، ٦٢٠٢٢.

أما بخصوص ما حصل، فلا نراه ـ على ما يظهر من السؤال ـ يصل إلى درجة أن تقول السائلة: أجزم أنني خرجت من الملة ـ فلا ريب أن هناك فرقا بين الشك المخرج من الملة وبين الوسوسة، فالوسوسة: هي ما يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، فإذا كرهه العبد ونفاه دلت كراهته على صريح الإيمان، وأما الشك: فهو نقيض اليقين، وهو التردد بين شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يكذبه ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه، ولا يكون العبد مؤمنا إذا وقع في مثل هذا الشك، فلا بد لحصول الإيمان أن يكون العبد موقنا يقينا جازما بمدلول شهادة: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وتوبة الشاك تكون بالإتيان بالشهادتين مع الجزم واليقين بما كان قد شك فيه.

لكن ينبغي التنبه إلى أنه قد يطرأ في نفس الإنسان نوع وسوسة يظنه شكا، ولكنه ليس شكا، بل يكون في داخله مصدقا مؤمنا، وعلامة ذلك كراهته لهذه الخواطر وخوفه ونفوره منها، وأما من تابع الوسوسة وتكلم بها ونشرها ووصل معها لدرجة الشك التي تزعزع أركان اليقين وتخالف التوحيد، فذاك الذي يخشى على إيمانه ويخاف عليه من الكفر ومتابعة الشيطان فيما يلقي إليه من وسوسة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: ١٢٠٥٨٢.

وقول السائلة: علما بأنني لم أترك الفرائض ولا العبادات ولم أفرط في أي واجب، لكن مجرد ذلك التفكيرـ يدل على أنها من هذا النوع المؤمن ـ إن شاء الله.

وعلى أية حال ـ فالحمد لله تعالى ـ أن تداركك برحمته في شهر رمضان فاحمدي الله تعالى ولازمي ذكره وتلاوة كتابه وألحي في دعائه واجتهدي في طلب العلم النافع.

ونوصيك بعدم الدخول لهذه المواقع وأمثالها، فبحمد الله تعالى أبواب الدعوة إلى الله كثيرة جدا، والسعي في هداية الناس ميسور بسبل متعددة ولمزيد الفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: ٦١٠٧٤، ٣٧١٤١، ١١٨٣٦١.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٦ ذو القعدة ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>