للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[هل يلزم الولد شرعا أن يشتري لأمه سكنا لا تحتاج إليه]

[السُّؤَالُ]

ـ[مقدما أرجو المعذرة للإطالة نسبيا ... إن لدي مشكلة أرجو من الله عز وجل أن أجد حلها لديكم.

باختصار أنا متزوج ولي طفلان. وأمي (حوالي ٦٠ سنة) أرملة تعيش بمفردها في شقة والدي حيث إن لي أخوين يعيشان في أمريكا منذ سنوات، وأنا أصل أمي وأزورها وآخذ معي بعض المأكولات لها كلما أتيت إليها على الرغم من أنها تحصل على معاشها ومعاش أبي اللذين يصلان إلى حوالي ألف جنيه مصري شهريا وأنا أعلم إنها ميسورة الحال وغالبا ما يرسل إليها أخواي النقود وكذلك يستضيفونها لديهم عدة شهور كل سنة متكفلين بكافة نفقاتها من تذاكر طيران وانتقالات ونفقات وخلافه طيلة فترة إقامتها لديهم، ومن جانبي أنا فقد قمت بتحمل نفقات عمرة رمضان قبل الماضي لها مع العلم بأنها قد قامت بأداء فريضة الحج من قبل مع أبي رحمه الله، والآن أمي ترغب في أن تترك شقتها (إيجار قديم) لأنها في الدور الأرضي وهي كما تقول ترغب في السكن في دور مرتفع لأنها تريد "بلكونة" في الشقة، خاصة وإن صاحب العقار الذي تسكن فيه أمي عرض عليها مبلغ مائة ألف جنيه مقابل إخلاء الشقة، وفي نفس الوقت توجد شقة في العقار المجاور بها "بلكونة" ثمنها مائة وخمسة وعشرون ألف جنيه.

أمي عرضت علي الفكرة وقالت لي هذا الفرق المتمثل في الخمسة وعشرون ألف جنيه ستدبره عن طريق بيع ذهب لها أو أن تطلب من أخوي في أمريكا إرسال المبلغ (للعلم أخي الأصغر هو الذي سوف يأخذ الشقة إن شاء الله في المستقبل حسب الاتفاق بيننا) ، فكان ردي عليها هو: افعلي ما يحلو لكي يا أمي ولكن كنت أريد أن أرى عندك الرضا، فشقتك جميلة وغيرنا الكثير ممن حولنا لا يملك مثلها، إلا إنك صاحبة القرار، وماترينه صوابا فافعليه وعليك بصلاة الاستخارة (للعلم أمي تحفظ كتاب الله تعالى) ... وسكت ثم قبلتها وانصرفت.

في اليوم التالي اتصلت بها هاتفيا لأطمئن عليها كالعادة فوجدت في صوتها نبرة غضب، فسألتها ما الخبر، فردت علي بأنها كانت تنتظر مني أن أقول لها بالأمس لا عليكي يا أمي فأنا سأسلفك المبلغ. فهل أنا أخطأت وكنت عاقا لها بهذا الأمر؟

هل من بر الوالدين أن أجيب لهما أي طلبات مهما كانت غير ضرورية ونحن في زمن تربية الأولاد تحتاج لثقلهم نقودا حتى يكبروا؟ مع العلم بأنني إذا رأيتها تحتاج لأي شيء هام لا أتردد في أن أحضره لها على الفور، ومثالا لذلك كانت أمي لا تذهب لرِؤية أمها المسنة إلا عندما تكون خالتي ذاهبة إليها حتى تأخذها معها في سيارتها، فعندما علمت من أمي بهذا الأمر قلت لها يا أمي لا تنتظري أحد ولو كانت أختك لتري أمك، واعطيتها خمسمائة جنيه فئة الخمسة جنيهات كي تأخذ تاكسي كلما أرادت أن تذهب إلى والدتها.

ومثال آخر عندما مرض أبي رحمه الله تعالى أمي قررت أن تعالجه في التأمين الصحي المجاني فرفضت وأخرجته منه ونقلته إلى مستشفي خاص وتوليت أنا وأخواي نفقات علاجه بالكامل على أعلى المستويات لمدة تزيد على السنتين دون أن نكل أو نمل أنا وأخواي إلى أن وافته المنية. أذكر ذلك لا لشيء سوى إظهار مدى حرصي على راحة والدي في الأمور الضرورية وخوفي من الله تبارك وتعالى أن أكون عاقا لوالدي، فهل أنا مخطئ؟

جزاكم الله خير، وعذرا مرة أخرى للإطالة]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا شك أن بر الوالدين والاحسان إليهما أعظم حق بعد عبادة الله تعالى؛ كما قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء: ٢٣} وقال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {النساء: ٣٦} فالواجب على الولد أن ينفق على الوالدين إذا احتاجا إلى ذلك, ويحسن إليهما وخاصة الأم، وحسبما فهمنا من السؤال فإن هذه الأم لا تحتاج إلى النفقة ولا السكن، ولذلك فلا يلزم الولد شرعا أن يعطيها مبلغا لشراء سكن لا تحتاج إليه وسيؤول لغيره، وإن كان الأولى أن يرضي أمه بإعطائها ما لا يشق عليه من المال وغير ذلك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: رضى الرب في رضى الوالدين وسخطه في سخطهما. رواه الطبراني. وللمزيد من الفائدة نرجو أن تطلع على الفتوى رقم: ٣٢١١٢.

وننبه السائل الكريم إلى أن الشقق لا تملك بالايجار القديم, وإنما تبقى ملكا لصاحبها الأصلي, ولذلك لا يجوز للمستأجر بيعها، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: ٧٣٧٥٢، نرجو أن تطلع عليه وعلى ما أحيل عليه فيه.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٠ جمادي الأولى ١٤٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>