للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[مسألة اختيار الإنسان لأفعاله أو جبره عليها]

[السُّؤَالُ]

ـ[فقد اطلعت بتعمق إلى عقيدة أهل السنة والجماعة في القدر، لكن يبقى السؤال أن للخالق مشيئة كما للعبد مشيئة تابعة لمشيئة الله فلو شاء العبد شيئا فبعد مشيئة الله ولو أراد أن يبدل مراده لأمر ثان فلن يشاء أن يختار الثاني إلا بعد أن يشاء الله فأين التخيير الذي للعبد والذي يجازى عليه، مع أن الله لا يجبر العباد إلا على فطرته، وهل في الفطرة تخيير، ثم كيف أفتونا وفقكم الله؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلم - وفقنا الله وإياك لسماع الخير وتقبله - أن جدلية اختيار الإنسان لأفعاله أو جبره عليها، ومدى ارتباط ذلك بالجزاء والعقاب هو من المواضيع التي أكثر الناس في نقاشها والبحث فيها، وحقيقة الأمر أن أي حدث في هذا الكون هو بإرادة الله وقضائه، ومع ذلك فالله تعالى يعاقب العباد على ما فرط منهم من المعاصي عدلا منه، ويثيبهم على ما قدموه من الإحسان تفضلا منه وكرما.

وتفسير ذلك هو أن جميع ما يقوم به الإنسان من أفعال هو تنفيذ لأوامر كونية قدرية سبق تحديدها، وليس بإمكانه أن يغير شيئاً منها، وهو من جهة ثانية قد أعطي العقل والحواس التي يميز بها بين النافع والضار، وأعطي القوة لتنفيذ ما يريد، ولم يكرهه أحد على انتهاج هذا المسلك أو ذلك، فهو بذلك مخير، فالتسيير المحض هو أن يهم المرء بفعل فلا يجد الوسيلة لفعله، والتخيير المحض هو أن يقوم بأفعاله من غير أن تكون محددة له سلفاً.

فليس -إذاً- ثمت تخيير مطلق ولا تسيير مطلق، وننصحك -أيها الأخ الكريم- بأن لا تتعب نفسك بهذه الماديات والفلسفات، فإن الطريق واضح، وليس يحتاج إلى شيء من هذه الفلسفات، والمحافظة على العقيدة وعلى الدين أولى وأهم من أي شيء آخر، ولله در الشاعر حيث يقول:

إذا أبقت الدنيا على المرء دينه * فما فاته منها فليس بطائل

ولك أن تراجع في هذا للمزيد من الفائدة الفتوى رقم: ٨٦٥٣.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١١ صفر ١٤٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>