للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[مسائل تتعلق بالوقف]

[السُّؤَالُ]

ـ[يوجد لدي أحد أقربائي مسجد وقف وعمائر تابعة له, كان المسؤول عن الوقف والده الذي بنى هذه العمائر من أمواله على أرض الوقف التابع للمسجد الذي أوقفه أحد أجداده, والآن تزيد غلتها عن حاجة المسجد يصرف على المسجد والذي يزيد يأخذه لنفسه, واشترى له بيتا بهذه الأموال حيث إنه لايملك بيتا, والآن أصبح بعض أقاربه يطلبون منه من أموال المسجد ويقولون إن لهم حقا في هذه الأموال؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا البناء الذي تم على أرض الوقف لا يخرج قصد صاحبه – الذي هو ناظر الوقف به عن أربعة أمور:

أولا: أن يكون قد بناها بنية الوقف، ويعرف ذلك بالقرائن كأن كان يضم الريع إلى مصلحة المسجد ولا يستفيد منه لنفسه، فهي وقف لا يجوز لأحد من ورثته أن ينتفع منه بشيء.

ثانيا: أن يكون قد بناها لنفسه ومصلحته، ويعرف ذلك بالقرائن أيضا كأن كان يحوز الريع لماله الخاص ويضمه لمصلحته فهذا غصب، وبما أن الأرض المغصوبة في مسألتنا وقف فإنا نقول: إما أن يكون للواقف غرض في تعيين هذه الأرض بعينها للوقف أو لا يكون.

فإن لم يكن له غرض فالسبيل هو أن يغرم الغاصب أرضاً مثل هذه الأرض التي بنيت عليها البنايات أو أحسن منها للمسجد، بشرط أن تحقق الأرض البديلة نفس المصلحة التي رجاها الواقف.

قال ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق -: أرض الوقف إذا غصبها غاصب وأجرى عليها الماء حتى صارت بحراً لا تصلح للزراعة يضمن قيمتها ويشتري بقيمتها أرضاً أخرى، فتكون الثانية وقفاً على وجه الأولى. انتهى.

أما إذا كان للواقف غرض في تعيين هذه الأرض ولا يوجد هذا الغرض في الأرض البديلة فيتم في هذه الحالة التصالح بين القائمين على الوقف وبين أصحاب هذه البنايات، فمن الممكن مثلا أن تملك هذه البنايات للمسجد يستفيد من ريعها، ويأخذ أصحابها قيمتها بالتقسيط من غلة الوقف.

قال ابن قدامة في المغني: وإن اتفق على تعويضه عنه بالقيمة أو غيرها، جاز؛ لأن الحق لهما أي للمالك والغاصب، فجاز ما اتفقا عليه. انتهى.

مع ملاحظة خصم ما استفاده من منافع الأرض مدة استيلائه عليها إلى أن ينتهي الغصب بطريقة شرعية.

ولا بد من أن يتم الصلح في ضوء مراعاة مصلحة الوقف في المقام الأول.

ثالثا: أن يكون قصده تحقيق مصلحة له وللوقف. فهو لم يخرج البناء عن ملكه، حينئذ يكون الأمر على ما أراد فيصير الريع بينه وبين الوقف بالمعروف والمثل. وقد أفتى جماعة من علماء المالكية منهم القاضي ابن باديس والناصر اللقاني، والأجهوري وأتباعه أنه إذا كان الوقف خرباً وتعذرت أو تعسرت إعادته من غلته أو من كرائه فيمكن تأجيره مدة طويلة لمن يعمره بالبناء، ويكون البناء ملكاً للباني ويدفع نظير الأرض حكراً (مبلغاً) يدفع للمستحقين، ويسمى هذا التصرف خلواً.

وجاء في شرح الخرشي أن القاضي ابن باديس قد أفتى بكرائها السنين الكثيرة، كيف تيسر، واشترط إصلاحها من كرائها، قال العدوي: أي أكثر من أربعين عامًا، وجاء قريب من هذه الأحكام في المذهب الحنفي ويسمى عندهم بالحكر، والحكر في باب الوقف وسيلة اهتدى إليها الفقهاء لعلاج مشكلة تتعلق بالأراضي والعقارات الموقوفة التي لا تستطيع إدارة الوقف (أو الناظر) أن تقوم بالبناء عليها أو زراعتها، أو أنها مبنية لكن ريعها قليل إذا قسنا بحالة هدم بنيانها، ثم البناء عليها، ففي هذه الحالة أجاز الفقهاء الحكر وحق القرار وهو عقد يتم بمقتضاه إجارة أرض للمحتكر لمدة طويلة، وإعطاؤه حق القرار فيها ليبني، أو يغرس مع إعطائه حق الاستمرار فيها ما دام يدفع أجرة المثل بالنسبة للأرض التي تسلمها دون ملاحظة البناء والغراس.

رابعا: وإن لم يظهر قصده لأيٍ من هذه الأمور، فبمجرد بنائه لهذه البنايات تصير وقفا تبعا للأرض؛ وقد نصت المادة ٨٣٩ من مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل على ما يلي: إذا بنى أو غرس في الوقف من هو موقوف عليه وحده فبناه وغرسه له محترم، وإذا بنى الشريك أو من له النظر فقط فبناه غير محترم، وليس له إبقاؤه بغير رضى أهل الوقف إلا إن أشهد أنه له، وإن لم يشهد أنه له فغرسه وبناؤه للوقف تبع للأرض ولو غرسه للوقف أو من مال الوقف فوقف. انتهى.

وعلى هذا فإنها تكون وقفا من وقت بنائها، وعلى من انتفع بها رد كل ما انتفع به من تلك الأرض إلى المسجد.

وما ذكرته من أن غلة هذه البنايات الموقوفة تزيد على حاجة المسجد، فإنا نقول: يجوز صرف الفائض عن حاجة المسجد في مصلحة وقف نظير له كمسجد آخر احتاج إلى مال.

فقد سئل شيخ الإسلام عن الوقف إذا فضل من ريعه واستغني عنه؟ فأجاب بأنه: يصرف في نظير تلك الجهة؛ كالمسجد إذا فضل عن مصالحه صرف في مسجد آخر، لأن الواقف غرضه في الجنس، والجنس واحد،. انتهى كلامه من الفتاوى الكبرى.

وإذا اختلفتم في شيء من أمور الوقف فإن الأمر يرجع إلى القاضي الشرعي، فهو الذي يحسم الخلاف في هذه الأمور.

وللفائدة تراجع الفتاوى رقم: ٦٦٠٩، ٢٨٢٧٠، ١٠٠٣٢٤، ٢٨٣٠٧.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٧ شعبان ١٤٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>