للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الرياء المذموم هو طلب المنزلة والجاه بالعبادة]

[السُّؤَالُ]

ـ[حرص الموظف على إعلام رب عمله بنتائج عمله واجتهاده فيه من أجل تحسين وضعه المهني ودون أن يضر بأحد من زملائه أو يرضي رئيسه بما يغضب الله. هل ذلك يعد من الشرك الخفي؟ أم يعتبر من باب اتخاذ الأسباب لزيادة الرزق مع اقتران ذلك بالدعاء والطلب من الله أن يلهم المدير تحسين الراتب؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالرياء الذي وردت النصوص في تحريمه والتحذير منه إنما هو طلب المنزلة في قلوب الخلق بالعبادة.

قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: وحد الرياء المذموم إرادة العامل بعبادته غير وجه الله تعالى، كأن يقصد اطلاع الناس على عبادته وكماله حتى يحصل له منهم نحو مال أو جاه أو ثناء.

أما طلب الجاه والمنزلة في قلوب الناس بغير العبادات، فلا يذم في ذاته، لكنه قد يحمد أو يذم بحسب ما يقصد به فاعله من ورائه، فالقول فيه كالقول في المال، فالمال لا يذم طلبه في ذاته، وإنما يذم أو يحمد بحسب غرض طالبه، وبحسب ما يتخذه من وسائل لتحصيله.

قال الغزالي في الإحياء: فإن قلت فالرياء حرام أو مكروه أو مباح أو فيه تفصيل؟ فأقول: فيه تفصيل، فإن الرياء هو طلب الجاه، وهو إما أن يكون بالعبادات أو بغير العبادات، فإن كان بغير العبادات فهو كطلب المال، فلا يحرم من حيث إنه طلب منزلة في قلوب العباد، ولكن كما يمكن كسب المال بتلبيسات وأسباب محظورات، فكذلك الجاه، وكما أن كسب قليل من المال هو ما يحتاج إليه الإنسان محمود فكسب قليل من الجاه، وهو ما يسلم به عن الآفات أيضا محمود، وهو الذي طلبه يوسف عليه السلام حيث قال: إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ. وكما أن المال فيه سم ناقع ودرياق نافع فكذلك الجاه، وكما أن كثير المال يلهي ويطغي وينسى ذكر الله والدار الآخرة فكذلك كثير الجاه بل أشد، وفتنة الجاه أعظم من فتنة المال، وكما أنا لا نقول تملك المال الكثير حرام فلا نقول أيضا تملك القلوب الكثيرة حرام إلا إذا حملته كثرة المال وكثرة الجاه على مباشرة ما لا يجوز.

نعم انصراف الهم إلى سعة الجاه مبدأ الشرور كانصراف الهم إلى كثرة المال، ولا يقدر محب الجاه والمال على ترك معاصي القلب واللسان وغيرها، وأما سعة الجاه من غير حرص منك على طلبه ومن غير اغتمام بزواله إن زال فلا ضرر فيه.

فإذن المراءاة بما ليس من العبادات قد تكون مباحة وقد تكون طاعة وقد تكون مذمومة وذلك بحسب الغرض المطلوب بها. اهـ

وعلى ذلك فإذا كان غرض الموظف من إعلام المدير بما ذكر في السؤال هو تحسين راتبه، وكان صادقا فيما يقوله للمدير، وكان عمله مشروعا، فلا حرج في ذلك إن شاء الله، ولا يدخل في الرياء المنهي عنه.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٣ شعبان ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>