للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[نصحه ناصح ألا يفعل أمرا وقال هذه أمانة فقال إن شاء الله]

[السُّؤَالُ]

ـ[بسم الله الرحمن الرحيم

إخواني الأعزاء: حصل معي أمر منذ فترة، فطلب مني شخص ملتزم وكبير بالسن بأن لا أعود لفعل هذا الشيء مرة أخرى لأن به ضررا لي، فقال لي هذه أمانة في رقبتك بأن لا تعود لفعل هذا الأمر مرة أخرى، وأنا أجبته بلساني بإن شاء الله، وأبشر. لكن بقلبي كنت أريد أن أفعل هذا الشيء مرة أخرى ومرات. لكن لا استطيع أن أرده لاحترامي لهذا الشخص قلت له إن شاء الله، ولكن قلبي يريد عكس ذلك. فهل يجب علي أن أترك هذا الشيء؟ وهل الأمانة حصلت علي؟ وما هي الأضرار بعدم الالتزام بأمانته التي سلمني إياها؟ وهل أصبحت أمانة علي؟ مع العلم أنني لست راض بحمل هذه الأمانة بقلبي، لكني جاملته بلساني.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلم يتضح لنا ماهية هذا الشيء الذي أعطيت الوعد ألا تفعله، وهل هو محرم أم لا، وهل هناك ضرر حقيقي يلحقك منه أم أنه ضرر موهوم، وما هو قدر الضرر إن كان حقيقيا، كل هذا مما يتوقف عليه الجوا ب والفتوى.

لكنا على أية حال نقول: إذا كان هذا الشيء مما حرمه الله ووردت النصوص بتحريمه فيجب الكف عنه والانتهاء عن فعله فورا ولو لم يأخذ أحد عليك عهدا بذلك، فقد أخذ الله سبحانه العهد والميثاق على بني آدم أجمعين أن يطيعوه وحملهم بذلك أمانة عظيمة أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها، قال سبحانه: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً. {الأحزاب:٧٢} .

وهذه الأمانه هي تكاليف الدين جميعا، قال الإمام القرطبي في تفسيره:

والأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال وهو قول الجمهور. انتهى.

فإذا لم يرد نص معين بتحريمه وكان فيه ضرر محقق فهو أيضا حرام، ويجب تركه لما تواتر من أدلة الشريعة على تحريم الضرر والإلقاء بالنفس في مواطن العطب والهلكة قال سبحانه: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا* وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا. {النساء: ٢٩، ٣٠} . وقال سبحانه: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ. {البقرة: ١٩٥} .

وقال صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك وأحمد وابن ماجه وصححه الألباني.

وهذا كله مما لا خلاف فيه.

يبقى النظر فيما كان بينك وبين هذا الرجل من حديث، والظاهر أن هذا ليس من الوعد في شيء لأنك لم تزد أن قلت: إن شاء الله. وهذه الصيغة ليست صريحة في الجزم بالوعد، بل غاية الأمر فيه أنها من قبيل الكناية، والكنايات لا يلزم بها شيء إلا مع النية، ونيتك وقصدك على خلاف قولك، فلم يتوافر في ذلك لا اللفظ الصريح ولا النية، وعلى ذلك فلا حرج عليك إذا فعلت هذا الشيء ما لم يكن إثما أو عدوانا.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢١ جمادي الأولى ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>