للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[ضابط كتمان العلم من عدمه]

[السُّؤَالُ]

ـ[هل إن سألني أحد بحكم الموسيقى في الإسلام وأنا أعلم أنها حرام, هل علي أن أجيبه بأنها حرام وأن من يسمعها يأثم أم أكتفى بأن أقول له بأنني لا أفتي؟ وهل قول هذا يعتبر كتمان علم, وأيضا هل إجابة سؤال هذا الشخص يعتبر فتوى؟

لأنني عندما سألت شخصا هو مثقف ويعرف الكثير في أمور الدين حسب معلوماته وعلمه عن أن كان يوم الخامس عشر من شعبان بدعة وإن كان الشخص الذي سيصوم هدا اليوم يأثم؟

أجابني بأنه ليس بمفت وحتى لو كان يعلم لن يجيبني لأنه وزر.

فهل الإجابة على أسئلة كهذه يكون وزرا وخصوصا إن كنا نعلم بأن كان هذا الأمر جائزا أم لا؟

وهل هذا يعتبر كتمان علم؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ العلم فقال: بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ. رواه البخاري.

وحث ورغب صلى الله عليه وسلم في سماع العلم وتبليغه فقال: نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ، فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ. رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وابن ماجه. وصححه الألباني.

كما حذر ورهَّب صلى الله عليه وسلم من كتمان العلم فقال: مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ عَلِمَهُ ثُمَّ كَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ. رواه الترمذي وحسنه، وأبو داود وابن ماجه وأحمد. وصححه الألباني.

ولذلك قال أَبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: وَاللَّهِ لَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا حَدَّثْتُ عَنْهُ ـ يَعْنِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ شَيْئًا أَبَدًا، لَوْلَا قَوْلُ اللَّهِ: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ {البقرة:١٧٤، ١٧٥.} . رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.

وفي معنى هذه الآية أيضا قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. {البقرة:١٦٠،١٥٩} .

وعلى ذلك فمن سئل عن مسألة يحتاجها السائل في أمر دينه، وكان على علم وبينة من هذه المسألة، فيلزمه تبليغها، حتى وإن كان لا يعلم غيرها من مسائل العلم، اللهم إلا أن يحيله على من هو أعلم منه وأقدر على تفهيم السائل وتعليمه، ممن يتيسر الوصول إليه.

وينبغي أن يعلم بأن المفتين على مراتب منهم المجتهد المطلق في كل أبواب الدين، ومنهم المجتهد في بعض مسائل الدين، فهؤلاء إن أفتوا في مسألة فإنهم يفتون باجتهادهم، ومن المفتين من هو ناقل لقول إمام من أئمة الدين الموثوق بعلمهم ودينهم، فهذا يسوغ له أن ينقل للناس ما قاله أهل العلم ما دام متثبتا منه، وأنه ينقله لهم على وجهه ولا حرج عليه في ذلك ولا إثم.

هذا مع التحذير الشديد من التقوُّلِ على الله بغير علم، ومن التجرؤ على الفتوى في ما لا يحسنه المسئول، فإن هذا من أمر الشيطان، كما قال تعالى: وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ*إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {البقرة: ١٦٩،١٦٨}

وهذا مما حرمه الله تعالى، كما قال سبحانه: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ. {الأعراف: ٣٣} .

وقد سبق بيان أن العلم الشرعي لا يجوز كتمانه، في الفتاوى ذات الأرقام التالية: ٢٤٢٤، ٢٦٩٣٤، ٥٢٥٦٩.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٨ شعبان ١٤٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>