للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[مسائل حول التعدد]

[السُّؤَالُ]

ـ[الأستاذ الفاضل:

أرجو من حضرتك إلقاء الضوء علي موضوع (تعدد الزوجات) بعدما أصبحت ظاهرة في مجتمعنا بسبب وبدون مع جهل البعض عن حقوق الزوجة الأولى على زوجها. مع الأضرار التي تتعرض لها الأسرة ككل من الأبناء والزوجة.

وأرجو من حضرتك أخذ رأي علماء الأزهر الشريف في المعايير التي يجب توافرها قبل إقبال الزوج على الزواج من أخري. ولي بعض التساؤلات أرجو توفير إجابات لها:

١ - ما هو مفهوم العدل والكفاية بصورة تفصيلية؟

٢- هل هناك حد أدنى من الوقت الذي يجب أن يقضيه الزوج مع أسرته وأبنائه؟ خاصة أن معظم الأزواج يعملون لأكثر من (١٢) ساعة ولا يجدون الوقت الكافي لرعاية أسرهم ثم يقبلون علي الزواج بأخرى فهل هذا عدل؟

٣- ما هي الظروف التي يجب أن يوفرها الزوج لأسرته قبل أن يقبل على الزواج بأخرى؟

٤- إذا كانت الزوجة الأولى تراعي ربها في زوجها وأسرتها وتقوم بكل واجباتها وتطيع زوجها وكانت غيرتها من الزوجة الجديدة قد تهدم حياتها وحياة أبنائها وتصيبها بأضرار مادية ومعنوية. هل يجوز منع الزواج عليها؟

٥- متى يكون تعدد الزوجات واجبا؟

ومتى يكون مكروها؟ ومتى يكون حراما؟

وهل هو حق مطلق أم مقنن؟

وأرجو أن يجعلنا الله ممن يقولون سمعنا وأطعنا]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقبل الإجابة عن هذه الأسئلة لا بد من هذه المقدمة

فإن من صفات الله سبحانه العلم فهو بكل شيء عليم، وهو أعلم بعباده وما يصلحهم وما يفسدهم قال الله تعالى: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. {الملك:١٤} ومن صفاته أنه رحيم ولطيف بهم، شرع لهم من الأحكام ما يناسبهم وما يصلحهم، وهو سبحانه عدل في حكمه وقضائه، لا يظلم أحدا من خلقه مثقال ذرة قال تعالى: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ. وقال: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ. وهو سبحانه لا يحابي أحدا من خلقه، فشريعته سبحانه قائمة على العلم والرحمة والعدل وعدم المحاباة

وقاعدتها وأساسها الذي تبنى عليه جلب المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها

ومسألة تعدد الزوجات لا تخرج عن هذه القاعدة، فإنها وإن كان فيها ضررظاهر في حق امرأة معينة لما قد ينشأعن التعدد من متاعب نفسية لها، إلا أن فيها مصالح ومنافع أكبر في حق الجماعة والمجتمع ككل، ويمكن الاطلاع على بعض من هذه المصالح في الفتوى رفم: ٦٤٨١

ولاشك أن من الرجال من يسيء استعمال هذا المسألة، فيظن أنها شرعت لإشباع رغباته فيستعملها دون تقيد بشروطها وضوابطها في حين أن لها شروطا وضوابط لا تباح إلا بتوفرها، يمكن الاطلاع عليها في الفتوى رقم ١٨٤٤٤ والفتوى رقم: ٩٤٥١ فلا ينبغي أن تنسب هذه الإساءة إلى الحكم الشرعي.

وأما بخصوص سؤال الأخت عن الحد الأدنى من الوقت الذي يجب أن يقضيه الزوج مع أسرته وأبنائه؟

فالواجب هو العدل في المبيت فيعطي لهذه يوم وليلة وهذه يوم وليلة مثلا، ولم يرد تحديد وقت معين أو حد أدنى واجب على الزوج قضاؤه مع أهله

إلا أنه ينبغي للزوج الاهتمام بأهله وأولاده وإعطاؤهم وقتا كافيا لقضاء حوائجهم وتعليمهم وتربيتهم

وبخصوص سؤال الأخت هل يجوز منع الزواج على الزوجة التي تقوم بكل واجباتها وتطيع زوجها وكانت غيرتها من الزوجة الجديدة قد تهدم حياتها وحياة أبنائها وتصيبها بأضرار مادية ومعنوية؟

فنقول إن التحريم والتحليل حق لله وحده هو الذي يحرم ويحلل، وليس لأحد من البشر أن يمنع شيئا أباحه الله أو يحل شيئا منعه الله سبحانه، فمسألة التحليل والتحريم (التشريع) من خصائص المشرع، فمن شرع فقد نازع الله سبحانه في إحدى خصائصه، حتى النبي صلى الله عليه وسلم ما كان إلا مبلغا عن ربه، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى

فالزواج بالثانية ليس من شروطه أن يكون في الأولى عيب أو تقصير، بل متى وجدت الشروط اللازمة المتقدمة فيباح حينئذ، وإن كانت الزوجة غير مقصرة في واجباتها

وعلى الزوجة أن تضبط غيرتها وتلجم نفسها بلجام الطاعة والانقياد لربها وخالقها، فالغيرة لا تؤاخذ عليها لأنها تكاد تكون من أفعال الجبلة، ولكن تؤاخذ بما يترتب عليها من أمور محرمة، وسبق بيانها في رقم الفتوى: ٢٦١٤٠

وبخصوص سؤالها عن الظروف التي يجب على الزوج توفيرها لأسرته قبل أن يقبل على الزواج بأخرى؟

فليس هناك ظروف معينة يجب على الزوج توفيرها للإقدام على الزواج بأخرى إلا القدرة على الوفاء بحقوقهما لكن مما لا شك فيه أن تطييب خاطر الزوجة الأولى قبل الزواج عليها شيء مرغب فيه وليس بلازم.

وبخصوص سؤالها متى يكون التعدد واجبا أو مكروها أو حراما، فالتعدد إذا توفرت شروطه فحكمه حكم الزواج ابتداء مباح في الأصل، وتعتريه الأحكام التكليفية من وجوب وحرمة وكراهة واستحباب، بحسب كل حالة على حدة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: ٣٠١١، وراجعي الفتوى التي أحلناك عليها سابقا وهي برقم: ٩٤٥١.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٥ صفر ١٤٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>