للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[هل يعذر من اشترى بيتا بالربا وهو جاهل]

[السُّؤَالُ]

ـ[منذ ٢٥ سنة سمعت أمي أنّ هنالك مساكن اجتماعية تباع بالتقسيط لمدة ٣٠ سنة (وهي في الواقع قروض ربوية من بنك بالتعاون مع المؤسسة التي تبني هذه المساكن) . فقامت بشراء منزل من هذه المؤسسة (ولم تكن تعلم حقيقة الأمر) وقامت بدفع عديد الأقساط لكن المنزل باسم أبي بسبب القوانين الوضعية، بعد مرور بضع سنين من شراء المنزل طلقت أمي وبالطبع بقي المنزل باسم أبي وبقيت أمي تسكنه لأنّها هي الحاضنة، واليوم أراد والدي إرجاع المنزل باسم أمي بعد أن عرف أنه في الحقيقة هي صاحبة المنزل بعد طلبها ذلك منه، فهل عليها وزر بعد علمها اليوم أنّ المنزل في الحقيقة اشترته بقرض ربوي وعليها بالتالي أن تكمل الأقساط الباقية؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يجوز الاقتراض من البنك بفائدة اختيارا لشراء شقة أو غيرها لأن هذا ربا محض والله تعالى يقول: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا {البقرة: ٢٧٥} والواجب على من اقترض بهذه الطريقة عالما مختارا أن يتوب إلى الله تعالى وأن لا يعود إلى مثلها، وإن استطاع أن يتخلص من هذه العملية برد رأس مال البنك إليه ويسقط البنك عنه الفوائد فليفعل ذلك لأن البنك لا حق له إلا في رأس ماله، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ {البقرة: ٢٧٨ ــ ٢٧٩} وإن لم يستطع ذلك فليسدد للبنك على حسب ما اتفقا عليه أولا ولا يعود لمثلها أبدا.

أما إذا كان جاهلا بحقيقة المعاملة فنرجو أن لا يكون عليه في ذلك إثم إن شاء الله، وذلك لعدم علمه بحقيقة المعاملة، فقد دلت الأدلة الصحيحة على أن الجهل عذر يرفع المؤاخذة في الجملة، ومن ذلك قوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ {الأحزاب: ٥} وقوله: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ {التوبة: ١١٥} وقوله: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا {الإسراء: ١٥} وكما في حديث المسيء صلاته، وحديث معاوية بن الحكم في كلامه في الصلاة جهلا، وحديث بول الأعرابي في المسجد، وغير ذلك من النصوص الدالة على عذر الجاهل، ورفع المؤاخذة عنه، والإثم في هذه الحالة يكون على من غرر بالمتعاقد حتى وقع على الربا.

والواجب على كل مسلم أن يسأل عن حقيقة المعاملات التي يقدم عليها قبل الوقوع فيها قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل: ٤٣} .

والذي يظهر لنا في حالة والدتك أنه لا يجب عليها أن تدفع سوى الثمن الحقيقي للشقة دون الفوائد الربوية، لأن الشراء قد تم بناء على أن ثمن الشقة مقسط عليها للشركة وليس قرضا ربويا من البنك كما هو الواقع، فإذا لم تتمكن من التخلص من هذه الفوائد نظرا لتقيدها بالأوراق المثبتة له، فالحكم فيها أن تسدد ما عليها من أقساط مع تفادي الفوائد قدر الطاقة كما ذكرنا أعلاه.

هذا إذا كان القرض الربوي قد تم التوقيع عليه من قبل والدك أو أمك، أما إذا كانت المعاملة الربوية قد تمت بين المؤسسة والبنك ولا دخل لوالديك فيها، فالواجب على والدتك أن تسدد المبلغ المتفق عليه بينها وبين المؤسسة، والإثم هنا على المؤسسة لا عليها هي، إذ لا علاقة لها بالمعاملة الربوية.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٦ محرم ١٤٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>