للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[من رفعت إليه قضايا حدود كان يقترفها قبل أن يتوب]

[السُّؤَالُ]

ـ[أولا أرجو معذرتي فأني أحدثكم وأنا في حالة لا يعلمها إلا الله مشكلتي تتلخص في الآتي أنا شاب عمري ٢٢ عاما وللأسف كنت أمارس في الصغر حتى عمر ال١٨ آسف اللواط ولكني تبت إلى الله منذ ذلك الحين ولكني أعانى من مشكلة وهي الندم كلما تذكرت لدرجة أنني لا أطيق نفسي على الرغم من أننى أتتني علامات معينة تدل على قبول التوبة والله أعلم ولكني أحاول أن أكذب نفسي ولكن المشكلة هي في أنني أحيانا أفكر أن أجهر بالقول حتى أتخلص من هذا الحمل الثقيل وكم وددت لو يطبق علي الحد ليطهرني وأشعر بأنني طبيعي كأي إنسان ولو لم يكن في الدنيا ولكن المشكلة كيف سألقى الله وأنا على هذا الوضع لقد مر على هذا الأمر ٤سنوات ولكني لا أستطيع أن أتحمل أكثر من ذلك وأنا أقدم الآن على خطوة انتقالية في حياتي من عمل على مستوى عال من الحساسية حيث قد يطلب مني أن أحكم على شخص قد وقع فيما وقعت فيه فماذا أفعل أغيثوني أغاثكم الله وماذا أفعل بالنسبة لمن يمارسون هذه العادة حتى الآن حيث إنني أعرفهم ولكني وصلت ولله الحمد لدرجة أنني لا أتحدث معهم في أكثر من السلام والتحية لدرجة أننا وإن كنا في أقصى درجات القرب لا نتحدث في ذلك بل والله قد لا أتذكر ذلك إلا على فترات متباعدة

وجزاكم الله خيرا.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحمد لله الذي من عليك بالتوبة قبل أن يفجأك الموت، فتلك ـ والله ـ نعمة تستحق أن تحمد الله عليها. وأما كونك تعاني من الندم ويحترق قلبك كلما تذكرت تلك المعصية، فإن ذلك من علامات صحة التوبة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: الندم توبة. رواه أحمد وابن ماجه عن عبد الله بن مسعود. ونبشرك بأن الله يقبل توبة من جاءه نادماً، قال تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ {التوبة: ١٠٤} . وقال أيضاً: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً {النساء:١١٠} . فالتوبة تجب ما قبلها وتمحو الذنوب السالفة، قال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. بل إن التائب تتبدل سيئاته حسنات، قال تعالى بعد أن توعد مرتكبي الفواحش بالعذاب الأليم ـ قال: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً {الفرقان:٧٠} . فأحسن الظن بربك، وارج رحمته، ووازن بين خوفك منه وطمعك في سعة رحمته، قال تعالى عن المؤمنين إنهم كانوا: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً {السجدة: ١٦} . وقال سبحانه: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ {الانبياء: ٩٠} . وقال سبحانه: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ {الزمر:٩} . وإياك أن تجهر بالمعصية أو تخبر أحداً بأنك ألممت بهذا الذنب من قبل ولا تكشف ستر الله عنك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله جل وعلا. وانظر الفتوى رقم: ١٠٩٥. وكذلك لا تسع في إقامة الحد عليك، بل اتشح بستر الله، فالتوبة كافية في محو الذنوب كما تقدم.

وإذا استطعت أن تنصح الشباب الواقعين في تلك المعصية فافعل، ولو عن طريق إعطائهم بعض الأشرطة والكتيبات. وكذلك إن استطعت أن تفارق المكان الذي يذكرك بالمعصية فافعل حتى لاترى وجوه العصاة. ولمزيد من التوضيح انظر الفتوى: ١٢٨٤٠.

ولم نفهم مقصودك بقولك: قد يطلب مني أن أحكم على شخص ... . فإن كان المقصود أنك وليت القضاء أو ستتولاه وأنت له أهل ثم ترفع إليك قضايا الحدود لتحكم في الأشخاص الذين ابتلوا بما ابتليت به- إذا كان الأمر كذلك -فلا نرى فيه بأساً. فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا في جاهليتهم يقعون في الموبقات وأعظمها الشرك بالله ونحو ذلك، فلما أسلموا أصبحوا يقاتلون الناس على الإسلام!! ويقيمون الحدود على من وقع في أحدها ولم يعيرهم أحد بأنهم كانوا يقعون فيها من قبل، وانظر بعض قصصهم في الفتوى رقم: ٥٣٠٤٣. فاستعن بالله ولا يستخفنك الشيطان، وانشط في الدعوة إلى الله وأمر بكل معروف، وانه عن كل منكر بقدر المستطاع، فإذا وسوس لك الشيطان بأنك كنت كذلك من قبل فلا تنقطع، وتذكر أن الصحابة كانوا مدمني خمر وفعلوا كل الفواحش، ولكن تابوا وحسنت توبتهم، وأصبحوا حملة مشاعل الهداية لمن يأتي بعدهم.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٠ ذو القعدة ١٤٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>