للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الوصية لابني البنت]

[السُّؤَالُ]

ـ[بعد التحية وفائق التقدير، أدعو الله تعالى أن يثيبكم وأن يسددكم ويحفظكم ويجزيكم خير الجزاء، سؤالي هو كالتالي: توفي والدي قبل أكثر من خمس سنوات, أسأل الله له الرحمة ولجميع موتى المسلمين، وترك لنا نحن ورثته، شيئا من المال وبيتا نسكن في بعضه ونؤجر بعضه، ونحن الورثة أربعة من الأبناء الذكور واثنتان من البنات ووالدتنا بالإضافة إلى زوجة لأبي، السؤال يخص زوجة أبي: كان لزوجة أبينا ابنة، هي أختنا من أبينا توفيت منذ زمن طويل في حياة أبينا، ولها من تلك الابنة اثنان من الأبناء يواصلان السؤال عنها بين الحين والآخر وفي المناسبات، كما أن لزوجة أبينا من الأقارب أيضا، أخ يعيش في بلاد أخرى وأخت تعيش في مدينة أخرى، بعد وفاة أبينا بعام تقريبا طلبت زوجة أبينا أن تهب نصيبها من الإرث في البيت لابني بنتها الاثنين، وكنا أنا وبقية إخوتي على رغبتها تلك من الشاهدين، وحصل في مرة حينها أن حضر أخوها لزيارتها في بيتنا في المدينة فأخبرته برغبتها في أن تهب نصيبها من الإرث في البيت لابني بنتها الاثنين، فلم يمانع وأبدى موافقته، إن زوجة أبينا امرأة كبيرة في السن ولربما جاوزت الآن الثمانين عاما، وخفنا عليها من كثرة النسيان وعوارض كبر السن، فأردنا إثبات هبتها وطلبت من بعض أقاربنا الاتصال بأخيها لتثبيت هبتها ولتثبيت علمه وموافقته، إلا أنه قال بأن هذا لا يجوز ولا يرضى الله عنه، مما جعلنا في حيرة نتساءل، ما هو رأي الشرع في هبة زوجة أبي لحصتها في البيت لابني بنتها الاثنين، وما مدى أحقية أخيها وأختها وابني بنتها في الإرث الشرعي منها بعد وفاتها؟ جزاكم الله خيراً.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقبل الجواب عما سألت عنه نريد أولاً أن ننبهك إلى أن الذي يرث أختكم من أبيكم -إذا كانت قد تركت إرثاً- هو أمها وأبوها، ولكل منهما السدس، قال الله تعالى: وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ {النساء:١١} ، وإذا لم يكن لها ورثة غير من ذكرت فباقي مالها يكون لولديها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر. كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وفيما يتعلق بموضوع سؤالك، فما ذكرت أن زوجة أبيكم أرادت بعد وفاته بعام أن تهب نصيبها من الإرث في البيت لابني بنتها، لا يخلو من أن تكون أرادت الوصية به لهما، أو أرادت هبته لهما حقيقة، فإن كانت أرادت الإيصاء به لهما، فلا حق للورثة في منعها من ذلك إذا لم يكن نصيبها من البيت يجاوز ثلث متروكها، وأما لو كان ذلك يزيد على ثلث متروكها فالذي لها الحق في الإيصاء به منه هو الثلث فقط، والباقي يرد ما لم يجزه ورثتها، وبشرط ن يكونوا بالغين رشداء، وإن أرادت تمليكه لهما بهبة ناجزة، فإن حصل ذلك في مرضها الأخير، -فإنه أيضاً- يعتبر في حكم الوصية، وإن حصل في صحتها ومضي تصرفها، فإنه -حينئذ- يعتبر هبة، يملكه الموهب له إذا حازه حيازة شرعية، ولم يكن الباعث للواهبة عليه هو منع الورثة من حقهم في الإرث. ولا عبرة هنا بما ذكرته من أن أخا الواهبة لما جاء لزيارتها وأخبرته برغبتها في أن تهب نصيبها من الإرث في البيت لابني بنتها، لم يمانع وأبدى موافقته، لأن هذا إسقاط حق قبل وجوبه، وذاك غير لازم عند أهل العلم، فالحاصل -إذاً- أن ابني أختكم لا يرثان من زوجة أبيكم، لأنهما من ذوي رحمها، ولكن لها أن توصي لهما بما لا يزيد عن ثلث متروكها، ولها أن تهب لهما كل متروكها أو بعضه بالشروط التي حددناها، ثم إن الذي يرثها ممن ذكرت هما أخوها وأختها كيف كان نوع أخوتهما لها، إلا إذا كانا أخويها من الأم فقط دون الأب، فإن لكل منهما سدس متروكها، وباقيه يكون لأقرب عصبتها، أو إلا أن يكون الأخ شقيقاً والأخت من جهة الأب فقط، فالأخ الشقيق حينئذ يرث جميع المال.

ثم إننا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٧ ربيع الأول ١٤٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>