للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[القتل لا يحل الخلاف بين الأخوين]

[السُّؤَالُ]

ـ[السؤال يا سيدي بارك الله فيكم: إنني في حيرة من أمري وقد أرتكب جريمة قتل إلا أنني أخاف الله وأريد منكم أن تفتوني في أمري والله على ما أقول شهيد السؤال ما هو عقاب من ينكث بعهد الله بعد أخذ الميثاق وأعلم أنكم من أهل العلم والمعرفة وأرجوكم أن تفتوني في أمري فقد تعاهدت أنا وأخي عهد الله أن لا يخونني في هذا الاتفاق حيث إنني كنت مديونا يوما من الأيام بشيك قدره ألفا دينار وعرضت على أخي الأمر ليساعدني وعندها طلب منى التنازل عن قطعة أرض لي وهي سبع دونمات مقابل أن يسدد الشيك ودينا آخر وهو خمسمائة دينار ومبلغا للدولة رسوم التنازل فأصبح مبلغه الذي دفعه ثلاثة آلاف دينار والأمر رهن مقابل أن أدفع له ماله الذي دفعه وتعاهدنا عهد الله على الوفاء ومما زاد ثقتي بأخي أنه حج بيت الله وملتزم بالدين ولكنه الآن ينكر هذا الأمر ويقول إنه بيع وشراء علما أن قيمة الأرض في ذلك الزمن هو عشرة آلاف وخمسمائة دينار وقد كنت أعمل على سمسرة الأراضي وعندي إلمام بها وكان هذا في تاريخ ١٩٩٨ وقد عرضت عليه أن يكون رهن ولكنه رفض وقال لي بالحرف الواحد أنا أريد أحافظ عليك وأخاف أن تعود لبيعها بزيادة مبلغ بسيط أما الآن فلقد تضاعف سعر الأرض فأصبح ٢٨ ألف دينار أردني وقد عرضت عليه المناصفة كي لا تيئس نفسه ولكنه يزيد إنكارا واستكبارا فطلبت منه أن يحلف على القرآن الكريم على ما قد أوثقنا به العهود وهو عهد الله شاهدا وكفيلا وحلف أنه بيع وشراء ولم يكن بيننا عهد عن توفر المال واسترجاع قطعة الأرض وأنا حالي الآن لا يسر القريب أو البعيد حيث إنني اسكن في بيت والدنا رحمه الله مع أمي وهو أيضا يقاسمنا السكن في نفس المنزل وأنا عاطل عن العمل ولا أملك أي شيء أعيش معهم وقد كنت سابقا آكل واشرب معهم أما الآن فلقد تغير حالهم وهم أهلي ولا يسمحون لي بمشاركتهم الطعام أو الشراب رغم أنهم لا يظهرون هذا الأمر خشية أن تعلم أمي بالأمر وهذا بعد أن طلبت منه أن يرجع لي الأرض ويفي بعهده أما عن تسديد المال فلقد تبرع به لي أحد الأصدقاء عندما أخبرته بحالي ولكن رفض أخي للأمر جعلني أعيد المبلغ لأنني لا يحق لي فيه شيء وأنا أخذته لاسترجاع حق لي وحقيقة أحب هنا أن أوضح لكم بصريح العبارة أن شخصيتي تنتمي تحت بند الشخصية العاجزة أي أنني لا أستمر في عمل ولا في علاقات اجتماعية ولا أجيد النجاح في اي شيء وعمري الآن يناهز ٣٠عاما وأخي عمره ٤٧عاما أنا الآن لا أملك شيئا غير الأمل في الله وفيكم أن ترشدوني وأنا الآن أرسل لكم هذا من مقهى للإنترنت أنا أعاني مأساة حقيقة حيث إنني ورثت عن والدي قطعة ارض كبيرة وبعتها بمبلغ كبير وضاع المال وبقيت أنا بلا رصيد أعمل عند الناس لآكل وأشرب فقط وأخي يعلم بحالي وما آل إليه وإنني تعرضت لعملية نصب كبيرة ولكن لا أملك أي سلاح ضدهم سوى الثقة العمياء التي أعطيها لكل الناس ومحبتي لهم ولرسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام وأملي في الله أن تعيروا رسالتي اهتمامكم فانا إنسان مسلم وقلبي مع المسلمين أشعر معهم وأتألم من أجلهم فحال المسلمين اليوم حال يدمي القلب وأنا أريد العدالة وأبحث عنها وأريد أن أحقق أمر الله في هذا الأمر احتسابا لثوابه ومخافة عقابه أما حال أخي فهو متزوج وله بنتان وثلاثة أولاد ويملك سيارة أجرة يعمل عليها وعنده مزرعة تبلغ مساحتها ١٧ دونما وهو أيضا عانى نفس التجربة من بيع الأرض واستغل المال لسفر إلى أمريكا والعمل هناك لكنه عاد فاشلا خالي الوفاض كلنا نعاني من نفس التجربة المريرة مما يجعله أقدر الناس على الإحساس بي ولكنه يرفض إذا أريد أن أفسر الأمر فقد استغل ظرفي وحالي من الدين وهذا يثير غضبي وأنا أسكن معه تحت سقف واحد مما يؤجج مشاعر الغضب والكراهية ولكن إسلامي يمنعني من هذا وأرجو أن تدركوا هذه الحقيقة حقيقة الاستكبار والإنكار ولقد علمت نفسه ما قدمت أنا الآن تروادني وساوس شيطانية أنه يستحق القتل أنا لا أبالي بقانون أو حكومة أو عقوبتهم حتى لو أعدموني فالأمر سيان فأنا مقتول أمشي بين الناس وقد هددته أيضا بأني سأشتكيه للجيران وأجلس في وسط الشارع وكل من يسألني عن سبب جلوسي أقول له أخي آخذ حقي ولا يريد أن يعيده لي فما كان جوابه إلا أن سيمتنع عن مساعدتي بأي شيء وقال بالحرف الواحد قبل لا يزرعك إبليس أنا كنت مسبل وبدء فعلا بحربي فمنعت من الطعام والشراب وعدم استخدام أي شيء يملكونه وهنا أنا بؤرة اليأس فلا عمل ولاشيء فماذا أستطيع أن أقول لكم غير هذا وما خفي كان أعظم لكن الله أسألكم أن ترشدوني إلى شيء أحقق به الحق أو أسترد به حقي أو ما يكون عقابه وما يستحقه لأنني أحس أني إذا عاقبته فسيرتاح بالي وعقلي فأنا لا أريد أهله بأذى أو أن يتربى أولاده تربية يتم مثلي فلقد عشت حياة اليتيم وأقسم بالله أن أقتص لله ربي ولنفسي من الظالم]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلم أولا أن قتل النفس عمدا عدوانا من أعظم الذنوب وأشنعها عند الله تعالى، كما جاء في نصوص الكتاب والسنة. قال الله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:٩٣} . وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء. وروى أبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال المؤمن معنقا -ومعنى معنقا: خفيف الظهر سريع السير- صالحا ما لم يصب دما حراما فإذا أصاب دما حراما بلح " أي أعيا وانقطع. وروى ابن ماجه عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق. وكونه لم يؤد إليك حقك ليس مسوغا لقتله.

وعليه، فاحذر كل الحذر أن تفكر في مثل هذه الأمور، وعليك أن تبعد عنك وساوس الشيطان بذلك، فإنه عدو لك يريد لك الخلود في النار. وأي استراحة لبالك ستجدها إذا كان سيعقبها ما سيترتب من سخط عليك من أسرتك ومن المجتمع كله، ومن عقوبة لا نستطيع تصور ما ستكون عليه؟

ولو افترضنا –جدلا- نجاتك من السخط ومن كل العقوبات، فأي فائدة لاستراحة البال إذا كان يعقبها العذاب في جهنم؟

وفيما يتعلق بموضوع نكث العهد فلك أن تراجع فيه فتوانا رقم: ٤٦٦٧٣.

ثم ما ذكرت من خلاف بينك وبين أخيك فيما إذا كانت الأرض رهنا بالمبلغ الذي دفعه عنك أخوك، أو أنه قد اشتراها منك بذلك المبلغ، يمكن أن يحل ببساطة عند المحكمة الشرعية إذا ذهبتما إليها. وستكلفك أنت بالبينة على دعواك، أو تكلفه هو بها باليمين إذا لم توجد بينة عند أي منكما.

وستنهي المشكلة دون أن يكون ثمة ما يدعو إلى القتل أو أي شيء آخر وإذا لم تنحل المشكلة على الوجه الذي يرضيك وظلمت، فثق بأنك ستأخذ مظلمتك كاملة غير ناقصة يوم الحساب، وهناك ستحمد الله أنك كنت مظلوما.

ونسأل الله تعالى أن يصلح حالكم ويهديكم إلى الرشاد.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٧ ذو القعدة ١٤٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>