للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[من مفاسد الإقامة في ديار الكفر]

[السُّؤَالُ]

ـ[أسأل الله أن يبارك فيكم ويجعل أعمالكم خالصة لوجه الله تعالى وأن يضعها في ميزان حسناتكم ... أما بعد:

إنني فتاة أبلغ الثامنة عشرة من عمري، أقيم في الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنتين ونصف تقريبا مع والدي واثنين من إخوتي، كان السبب لقدومي إلى هنا لرؤية والدي الذي لم نره لمدة أربع سنوات والحمد لله الذي يسر لنا السبل للقدوم، كنت في السادسة عشر من عمري وكان يجب علي أن أكمل تعليمي لأن هذا ما اعتاد عليه العصر، لم أكن أعلم عن طريقة العيش هنا ولا كيفية تفكيرهم جيدا لكنني كثيرا ما سمعت عن السلبيات التي تحدث في هذا المجتمع بسبب فساد أخلاقهم وتفكيرهم، كنت ملتزمة بالحجاب الشرعي بفضل الله قبل قدومي إلى هنا لكنني بعد أن أتيت طلب مني والدي خلع الجلباب عند الذهاب للمدرسة وخلع المنديل ... لكنني لم أوافق إلا على عدم الالتزام بالجلباب لأنه لم يتوفر لدي إلا اثنان وكان من الصعب الالتزام به لأنني كنت أحتاج لكل يوم إلى تغييره وكنت أجد صعوبة في الحركة عند ارتدائه ... فما كان لي إلا أن وافقت على ارتداء لباس القميص مع بنطال من قماش \"لكنه للأسف لم يكن يطابق صفات اللباس الشرعي\" المهم بعد أن دخلت عالم المدرسة الذي يشيع بالفواحش والإثم والعصيان بدأت قصتي التي بسببها جعلت نظرتي للعيش هنا مستحيلا أو شيئا من الصعب أن أقبله أو أستمر به.

في البداية, كنت بفضل الله محافظة على قراءة الأذكار مثل الصباحية والمسائية وغيره من الأمور التي كنت أحافظ عليها وأنا في بلدي، وكنت أيضا أحافظ على إشغال نفسي بقراءة القرآن في المدرسة حتى لا أطلع على ما يفعلون ولا أنشغل بهم بوقت الفراغ الذي يكون بآخر الحصة أو عند تغيب أحد المدرسين، كنت الوحيدة التي ترتدي الحجاب في المدرسة والتي تظهر شعائرها الدينية كمسلمة، حاولت احتمال ما كنت أرى وأواجه من أمور تخل بالشرف والأخلاق ولا يرضي بها عاقل مثل الاختلاط وغيره من الأمور التي كان من الصعب أن تغض بصرك عنها أو تجنبها حتى، لقد بينت لوالداي بأنني لا أحتمل البقاء هنا لما أراه في المدرسة لكنهما لم يأخذا ذلك بعين الاعتبار مما أدى إلى الرضا بما أنا عليه والتهاون بما أراه، بعد فترة من الزمن بدأ إيماني يضعف قليلا قليلا وبدأت أتأثر بهم والميل إلى قبول ما يفعلون، والمصيبة الكبرى هي التحدث إلى الجنس الآخر والشعور بالراحة والانشراح للتحدث إليهم كأن الأمر طبيعيا ولا يوجد أي شيء في ذلك، وبعدها أصبحت أتحدث إلى طالب نصراني مما أدى إلى حدوث علاقة بيني وبين ذلك الطالب والتحدث إليه عن طريق الهاتف والخروج معه من دون علم الأهل وأحمد الله أنه أبقاني لهذه اللحظة حتى أكفر عما فعلت وفتح باب التوبة لي قبل أن ينتهي أجلي وأنني ما زلت عذراء، إنني الآن انتهيت من الدراسة في تلك المدرسة التي كانت أسوأ مدرسة في الحي وعلمت ذلك بعد أن انتهى كل شيء ووقعت فيما لا يرضي الله عز وجل، ولقد مررت أيضا باختبار صعب خلال دراستي فيها؛ لقد حاول المدرسون والطالبات والمشرفون أن انضم إلى ديانتهم إلى أن أصبحت أفكر بتغيير ديانتي واعتناق الديانة الكاثوليكية، لكن الحمد لله الذي ثبتني على دين الحق وأسأله الثبات حتى الممات.

شيخنا الفاضل.. إنني الآن بفضل الله عدت إلى رشدي واستقمت وأحاول قدر المستطاع الالتزام بما أمر الله به وبما أوصاني به الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنني الآن أواجه ضغوطات من قبل الوالدين لأنني على هذا القدر من التدين بحيث لا أخرج معهم إلى الأسواق المختلطة إلا إذا اضطررت إلى ذلك بشكل كبير وعدم الجلوس معهم عندما يأتي ابن عمتي لزيارتنا ويربطون رفضي لعدم تلبية رغبتهم لمثل هذه معصية وعدم احترام والتقليل من شأنهم وهو عكس ذلك تماما، إنني أريد أن أعيد الحياء الذي فقدته بسبب وجودي في تلك المدرسة والابتعاد عن مكان الشبهات وتطبيق ما أمرني به الله والرسول عليه الصلاة والسلام، إنني في الحقيقة كرهت الإقامة هنا وأكره الارتباط بأي شخص يريد الإقامة هنا لأنني أريد أن أنسى ما حصل لي ولا أريد تربية أولادي هنا أيضا، لا يوجد لدي صديقات لتعينني على طاعة الله ورسوله وأواجه الكثير من الفتن في البيت وأحاول تجنبها مثل سماع الأغاني ومشاهدة التلفاز والاختلاط وغيره من الأمور التي لا ترضي الله عز وجل, وأيضا لتربية أخي الصغير الذي يمشي في طريق الانحراف قليلا قليلا على تعاليم الدين الإسلامي وغرس الإيمان في قلبه وهو يبلغ من العمر تسع سنوات، إن أهلي طيبون ويخافون علينا من أمور الدنيا لكنهم لا يدركون كثيرا الواقع الذي سيكون بعد الموت أو عند الوقوف بين يدي الله عز وجل عما نفعل ولم يغرسوا فينا كثيرا من الأمور التي ينبغي أن يغرسوها منذ الصغر كالصلاة، إنني أخشى على نفسي من الفتن والانحراف وأحاول إقناعهم بالنزول إلى البلد العربي الذي يتواجد فيه بقية إخوتي غير المتزوجين هناك ولدي عم وخالة ليس لديهم أي اعتراض على الاهتمام بي والحرص علي وبالطبع لن يصلوا إلى الحد الذي يكون من قبل والداي حفظهما الله من الرعاية والحرص على ما ينفعني، وأمي تخاف ويصعب عليها أن أكون بعيدة عنها لأنني الوحيدة لها، أقدر لها ذلك لكنني في الحقيقة أخشى على نفسي وأواجه الصعويات الكثيرة في هذه البلاد التي تضعف همتي وإيماني أحيانا، فهل إذا رجعت إلى هناك بهدف الحفاظ على ديني والحفاظ على صحتي لأنني لا أستطيع الكشف على صحتي هنا لأنها مكلفة وأبي غير قادر على تحملها وأعذره على ذلك ولا ألومه -أسأل الله أن يبارك فيه وأن يوفقه لما يحب ويرضى- وأيضا لتربية أخي التربية الصحيحة البعيدة عن مواطن الفتن والفواحش من غير الحصول على موافقتهما بعد محاولتي بإقناعهما لكن من غير جدوى أكون آثمة أم لا، والرجاء نصحي بهذا الشأن.

أعتذر كثيرا على الإطالة لكنني فضلت وضع التفاصيل حتى تكون على بينة من الأمر ويكون واضحا وأسأل الله أن يكون شرحي لمسألتي قد أعانك للحكم على ما سألتك عنه يا شيخنا الفاضل وجزاك الله خير الجزاء وأحسن إليك.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله لك الثبات والتوفيق والهداية ونوصيك بالتوبة الصادقة، ونقول لك إن الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام عند عجز المسلم عن إقامة شعائر دينه أو الخوف من الوقوع في المعاصي والذنوب بسبب الفساد المنتشر واجب وعليه فيجب أن تهاجر المرأة ولو لم يأذن لها أبوها ولا زوجها وتذهب ولو وحدها كما نص على ذلك العلماء.

ونصيحتنا لوالدك أن يتقي الله تعالى، فإن الحياة لا تدوم وهي دار ممر، لا مقر لأحد فيها، فكيف لا يهتم بدين بنته وهي تعرض عليه ما تجد من الفتن والبلايا، ويكفي لمعرفة الحال مطالعة السؤال، فقد حمل في طياته عظة وعبرة لمن كان يعقل، والله المستعان، وننصح بمطالعة الفتوى رقم: ٥٠٤٥، والفتوى رقم: ١٢٨٢٩.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٨ ذو الحجة ١٤٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>