للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[رؤية سليمان للجن وهل يمكن لغير الأنبياء رؤيتهم]

[السُّؤَالُ]

ـ[هل استطاع نبي الله سليمان عليه السلام رؤية الجن؟ وإلا فكيف يخدمونه ويأمرهم بالبناء وغير ذلك وهو لا يراهم؟.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد سخر الله عز وجل الجن لنبيه سليمان عليه السلام، واستجاب الله دعوة نبيه سليمان لما دعاه بقوله: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ، فقال الله عز وجل: فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ {ص:٣٥-٣٨} .

وكان سليمان عليه السلام يراهم ويخاطبهم، ويجزي المحسن منهم بإحسانه ويعاقب المسيء منهم، قال ابن كثير في تفسيره: وقوله: وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ أي: منهم من هو مستعمل في الأبنية الهائلة من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات إلى غير ذلك من الأعمال الشاقة التي لا يقدرعليها البشر وطائفة غواصون في البحار يستخرجون مما فيها من اللآلئ والجواهر والأشياء النفيسة التي لا توجد إلا فيها وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ أي: موثقون في الأغلال والأكبال ممن قد تَمَرّد وعصى وامتنع من العمل وأبى أو قد أساء في صنيعه واعتدى.

وليس سليمان عليه السلام وحده هوالذي كان يرى الجن، بل إن العلماء ذكروا أن أصحابه أيضا كانوا يرون الجن على هيئتهم، ومن الأحاديث التي استدلوا بها على ذلك: ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ عِفْرِيتًا مِنْ الْجِنِّ تَفَلَّتَ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلَاتِي فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ فَأَخَذْتُهُ فَأَرَدْتُ أنْ أرْبُطَهُ عَلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أخِي سُلَيْمَانَ: رَبِّ اغفر لي وهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي، فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا.

قال البغوي في شرحه للحديث: وفيه دليل على أن رؤية الجن غير مستحيلة، وفيه دليل على أن أصحاب سليمان صلى الله عليه وسلم كانوا يرون الجن وتصرفهم. شرح السنة للبغوي. ٣ـ٢٧٠.

وقال العيني: فيه دليل على أن أصحاب سليمان كانوا يرون الجن وهو من دلائل نبوته ولولا مشاهدتهم إياهم لم تكن تقوم الحجة له لمكانته عليهم. عمدة القاري شرح صحيح البخاري. ٤ـ٣٤٦.

وقال الحافظ ابن حجر: واستدل الخطابي بهذا الحديث على أن أصحاب سليمان كانوا يرون الجن في أشكالهم وهيئتهم حال تصرفهم. فتح الباري ٦ـ٤٥٩.

وحتى على قول من نفى رؤية الناس للجن، فإن الأنبياء مستثنون من ذلك، قال الشافعي في أحكام القرآن.٢ ـ١٩٤: من زعم من أهل العدالة أنه يرى الجن أبطلت شهادته، لأن الله عز وجل يقول: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ {سورة الأعراف: ٢٧} .

إلا أن يكون نبيا.

ونقل ابن حجر كلام الشافعي ثم قال: هذا محمول على من يدعي رؤيتهم على صورهم التي خلقوا عليها، وأما من ادعى أنه يرى شيئا منهم بعد أن يتطور على صور شتى من الحيوان فلا يقدح فيه، وقد تواردت الأخبار بتطورهم في الصور. فتح الباري ٦ ـ٣٤٤.

فرؤية نبي الله سليمان للجن ومخاطبتهم وتعامله معهم ثابتة ولا إشكال فيها، وكذلك رؤية غير الأنبياء للجن ممكنة وواقعة، ولكن بعد تشكلهم في صورة غير صورتهم التي خلقوا عليها، كما سبق في الفتاوى التالية أرقامها: ٥٢٤١، ٨٣٤٩، ٩٥٩١.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٦ رمضان ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>