للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[حكم هجر الأخت المتزوجة من نصراني]

[السُّؤَالُ]

ـ[أختي متزوجة من عربي مسيحي منذ أكتر من ٢٠ سنة، ولهما ولد عمره ١٣ سنة.

نصحناها كثيرا ولا تريد أن تفارقه، لأنه يعيل عائلتها.

مؤخرا علمت أنه يجب علي أن أقاطعها، لأنني ملتزمة، فصارحتها بالرجوع عن ما هي عليه فرفضت.

بما أننا مقيمتان في بلدين مختلفين فلا أريد الالتقاء بها في بلدنا الأصلي.

هل يجب علي مقاطعتها تماما، وهل إذا اتصلت بي بالهاتف أكلمها أم أقطع عنها؟

وماذا أفعل بالهدايا التي كانت تعطيني علما أن مال زوجها من حرام؟

أفيدوني جزاكم الله خيرا؟

أمي تقول لي لا تقاطعيها، فبماذا ينصحني الشيوخ الأفاضل؟

أنا لا أريد إلا مرضاة ربي، وأرجو من فضيلتكم أن تفتوني مع بيان الأدلة، لأني أريد أن أثبت لعائلتي سبب الهجر، لأنهم لا يريدون هجرها، لأنهم أصلا لا يصلون وهم مستفيدون من مال زوجها.

سامحوني، لكني أريد الرد باستفاضة حول حرمة زواجها وعلاقتي بها؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فزواج المسلمة من النصراني باطل، ولا ينعقد أصلاً بإجماع العلماء، ومستند هذا الإجماع قول الله جل وعلا: وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا {البقرة:٢٢١} .

قال الكاساني في كتابه بدائع الصنائع: فلا يجوز إنكاح المؤمنة الكافر؛ لقوله تعالى: وَلَا تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ. ولأن في إنكاح المؤمنة الكافر خوف وقوع المؤمنة في الكفر، لأن الزوج يدعوها إلى دينه، والنساء في العادات يتبعن الرجال فيما يؤثرون من الأفعال ويقلدونهم في الدين، وإليه وقعت الإشارة في آخر الآية بقوله عز وجل: أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ، لأنهم يدعون المؤمنات إلى الكفر، والدعاء إلى الكفر دعاء إلى النار، لأن الكفر يوجب النار، فكان نكاح الكافر المسلمة سبباً داعياً إلى الحرام، فكان حراماً. انتهى

وقال ابن قدامة في المغني في شرح قول الخرقي: ولا يزوج كافر مسلمة بحال. قال: أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال، بإجماع أهل العلم، منهم: مالك، والشافعي، وأبو عبيد، وأصحاب الرأي. وقال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم. انتهى.

وهذا الزواج له حكم الزنى، ويجب أن يفرق بينهما في الحال، ومن استحل ذلك كان كافراً مرتدا مفارقا لدين المسلمين، بشرط أن يكون عالماً بالتحريم.

أما بخصوص هجرها، فينظر في ذلك، فإن كان لديك رجاءٌ في هدايتها ورجوعها عن هذا الإثم العظيم, فلا تهجريها، وابذلي وسعك لردها إلى رشدها، فلعل الله أن يكتب لها الهداية على يديك، فتحوزي بذلك أجر الله وعظيم ثوابه.

أما إن انقطع أملك منها وانتهى سعيك إلى عناد منها وإصرار على الخطيئة, فهنا قد اختلف أهل العلم في وجوب الهجر بعد اتفاقهم على سنيته, وقد حكى ابن عبد القوي هذا الخلاف في قوله:

وهجران من أبدى المعاصي سنة * وقد قيل إن يردعه أوجب وآكد

وقيل على الإطلاق ما دام معلن ــ ا * ولاقه بوجه مكفهر مربـ


د

فلم يَذكر – رحمه الله - خلافاً في سُنِّية هجْرِ العَاصي الْمُجَاهر بالمعصية سَواء ارتدع أو لَمْ يرتدع, وإنما الخلاف في الوجوب هل هو على الإطلاق أم إذا كان العاصي يرتدع به؟.

ولذا فإنه يسن لكم – باتفاق - هجرها، فلا تحدثوها، ولا تصلوها، ولا تؤاكلوها ولا تشاربوها, لأن هجران أهل المعاصي المصرين عليها من شعب الإيمان, قال الخطابي في مَعَالِمِ السُّنَنِ في حديث كعب بن مالك: ونهى رسُول الله – صلى الله عليه وسلم – عن كَلامِنَا أيها الثلاثة: فيه من العلم أن تحريم الهجرة بين المسلمين أكثر مِنْ ثلاث إنَّمَا هو فيمَا يكونُ بينهما من قِبَلِ عَتَبٍ ومَوْجدة، أو لِتقصير في حقوق العِشْرة ونحوها دون ما كان من ذلك في حق الدِّين، فإن هِجْرة أهل الأهواء والبدعة دائمة على مَرِّ الأوقات والأزمان ما لَم يظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق. انتهى.

وفي صحيح مسلم: أن قريباً لعبد الله بن مغفل خَذَف فنهاه فقال: إنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نهى عن الْخَذْف وقال: إِنَّهَا لَا تَصِيدُ صَيْدًا وَلَا تَنْكَأُ عَدُوًّا وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ، قال: فعاد، فقال: أحدثك أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نهى عنه ثم عُدْتَ تخذف، لا أكَلِّمك أبداً.

قال النووي على حديث عبد الله بن مغفل: في هذا الحديث هجران أهل البدع والفسوق ومُنَابِذِي السنة مع العلم، وأنه يجوز هجرانه دائماً؛ والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا، وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائماً، وهذا الحديث مِمَّا يؤيده مع نظائر له كحديثِ كعب بن مالك وغيره. انتهى.

قال ابنُ حَجَر في الفتح: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلى أنه لا يُسَلَّم على الْمُبتَدِع ولَا الفاسق. انتهى.

وقال الْمُهَلب: تَرْكُ السَّلَامِ على أهلِ الْمَعَاصِي سُنَّة مَاضية، وبه قال كَثير من أهلِ العِلْمِ في أهل البِدَع.

وروى البخاري في الأدب المفرد عن الحسن قال: ليس بينك وبين الفاسق حرمة.

قال الشيخ الألباني: صحيح

وأما بخصوص ما يقبلونه من مال زوجها الحرام فقد سبق في الفتوى رقم: ٦٨٨٠ , حكم الأخذ من صاحب المال الحرام ومعاملته، والأكل من طعامه، وذكرنا فيها أقوال أهل العلم فارجعي إليها.

وأما ما أهدته لك من هدايا من قبل فإن تيقنت أنه من مال زوجها الحرام فتصدقي به في وجه من وجوه الخير, وأما إن كان من مالها هي فلا حرج عليك في الانتفاع به, والأولى إذا كانت مصرة على معصيتها ويئست من توبتها أن ترديه عليها خصوصا إذا علمت أن هذا سيكون زاجرا لها أو واعظا.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
٠٢ ربيع الثاني ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>