للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[هدايا العمال غلول]

[السُّؤَالُ]

ـ[هناك من يسأل هل فى الوساطة الجمركية أو الوصاية مع رجال الشرطة سواء في المبلغ المطلوب من المسافر على ما يحمله من سلع أنها ليست للاتجار بها ولكن لاستهلاكه الشخصي أو وساطه في منعه من الحبس فى أمن الدولة بسبب أن جوازه منتهي الصلاحية وإعفاءه من أن يدفع مبالغ معينة كغرامة، مع علم الوسيط أن هذا الرجل (المسافر) ليس مجرما ولا يحمل بضائع للتجارة، ولكنه إنسان فقير ووقع فى مأزق أمن الدولة أو في المبالغ الهائلة على البضائع وهذا الوسيط بفضل الله يخلصه من كل ذلك عن طريق صداقته لرجل الجمارك ورجل الشرطة (المباحث وأمن الدولة) ، ولكن لا يقدم هذا الوسيط هذه الخدمة إلا لمن كان من أهل بلده أو من أناس يعرفهم، وفي بعض الأحيان أحد الناس الذين يقعون في مأزق لا يطيقونه من باب الرحمة يقوم الوسيط بفضل الله بتخليصه من هذه المأزق دون أن ينتظر مقابلا، ولكن نظراً لأن هذه الخدمة تخلص المسافر من ورطة كبيرة جداً تكلفه الكثير والكثير فإنه لا يتردد هذا المسافر في أن يدفع شيئا (أموالا أو هدايا) لهذا الوسيط لأنها لا تقابل شيئا من الورطة التي وقع فيها فيحلف بالله ويكررها أن تأخذ يا رجل هذه الأشياء لأنك خلصتني من مصيبة كبرى وكذلك لك جزيل الشكر ويشكرونه لأن هذا الرجل ربما يسجن بسبب أن جوازه منتهي الصلاحية وهو فقير لا يملك حتى ربما قوت أولاده الذين ينتظرونه وهم في أمس الحاجة له وللأموال.... السؤال هل هذه الأموال التي يأخذها هذا الرجل حرام أم حلال، مع العلم بأن هناك فى وظيفته فساد رهيب وسرقه علنية وبأمر المدير وهو لا يأخذ أبداً شيئا من هذه الأموال لأنها عبارة عن (كارته) تأخذها الحكومة من المسافر والموظف بكل بجاحة يشارك الحكومة فى هذه الأموال بل ربما يأخذ أكثر مما تأخذه الحكومة وذلك عن طريق أخذ سعر التذكرة من المسافر دون إعطائه أية تذاكر ويقولون له لو أحد سألك قل إن التذكرة ضاعت مني ولا تتعجب لأن المسافر ربما يدفع أقل لأنه لم يأخذ التذكرة.

وهذا الرجل صاحب هذا السؤال من هؤلاء الموظفين ويقول والله لا أشرب الماء عند زملائي لأني أعرف أنه من حرام ويقولون له تعالى اقتسم معنا وهو يرفض ولا يتردد في ذلك، فأفيدونا بارك الله فيكم؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالضرائب والجمارك التي تفرضها الدولة على الناس لها حالتان:

الأولى: أن يكون بالدولة حاجة وضعف فتحتاج إلى ذلك لتنفيذ المصالح العامة ونحو ذلك فتفرضها على كل أحد بقدر ما يستطيع حسب ضوابط معينة ولا حرج عليها في هذه الحالة ولا حرج من العمل معها.

الثانية: أن تكون الدولة غنية فلا يجوز لها ذلك بل هو من كبائر الذنوب، وفي الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المرأة الغامدية التي زنت ثم تابت قال: والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له.

قال النووي رحمه الله: فيه أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب والموبقات، وروى أحمد وأبو داود والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة صاحب مكس.

ولا يجوز العمل مع الحكومة في هذا المجال في الحالة الثانية، إلا إذا اضطر إلى ذلك فيعمل وينبغي أن يسعى بقدر ما يمكن في التخفيف عن الناس جميعاً من هذه الضرائب وليس عن أقربائه أو أصحابه أو أهل بلده فقط، وأما تجديد الجواز فالأصل أنه لا بد من الالتزام به لما في ذلك من المصلحة، ولو قدر أن فقيراً لم يقدر على تجديده فساعده الموظف بلا مقابل لعلمه بحاله فلا حرج في ذلك ولا يقبل شيئاً منه لأنه عامل مع الدولة وله راتب، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هدايا العمال، لأنه لولا عملهم لما حصلوا على شيء من الهدايا، ولأن ذلك قد يجر إلى الرشوة ونحوها.

وأما المال الذي قد قبضه مقابل هذا العمل وصرفه فلا شيء عليه فيه، وأما الباقي معه فإنه يتخلص منه بصرفه في المصالح العامة للمسلمين.

وأما ما يفعله زملاؤه في هذا العمل المحرم من النصب والاحتيال بالطريقة التي ذكرها فهو زيادة إثم على إثم، وعليه نصحهم وتذكيرهم بسوء صنيعهم، وأما الأكل معهم فإن كان من عين محرمة أخذوها بغير حق أو اشتروها بمال حرام فلا يجوز، وإن جهل ذلك وكان مالهم مختلطاً فيكره الأكل من طعامهم.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٦ شعبان ١٤٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>