للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[بكاء النبي وصحابته من خشية الله]

[السُّؤَالُ]

ـ[البكاء من خشيه الله شيء جميل جداً، ومن بكى من خشية الله أظله الله في ظله، فأريد نماذج عن الرسول وصحابته في البكاء من خشية الله؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فبالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان كثير البكاء من خشية الله تعالى، ومن أمثلة ذلك ما ثبت في الصحيحين واللفظ للبخاري عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ علي، قلت: يا رسول الله آقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: نعم، فقرأت سورة النساء حتى أتيت هذه الآية: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا. قال: حسبك الآن، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.

وفي سنن النسائي وغيره عن مطرف عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل، يعني يبكي. وصححه الشيخ الألباني، وراجع في ذلك الفتوى رقم: ٤٧١٧٤.

وبالنسبة للصحابة رضوان الله تعالى عنهم فلهم في ذلك مواقف كثيرة لا يتسع المقام لتتبعها، فلذا نقتصر على نماذج منها:

عن أنس قال: قال أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهينا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما أبكي أن لا أكون أعلم إن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها. رواه مسلم.

وعن أنس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط، قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، قال: فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم خنين. متفق عليه واللفظ للبخاري.

وفي المصنف لابن أبي شيبة: عن أبي رجاء قال: كان هذا المكان من ابن عباس مجرى الدموع مثل الشراك البالي من الدموع.

- عن أبي صالح قال: لما قدم أهل اليمن في زمان أبي بكر فسمعوا القرآن جعلوا يبكون، فقال أبو بكر: هكذا كنا ثم قست القلوب.

- عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال: كان عمر إذا صلى أخرج الناس من المسجد فأخذ إلينا، فلما رأى أصحابه ألقى الدرة وجلس فقال: ادعوا، فدعوا، قال: فجعل يدعو ويدعو حتى انتهت الدعوة إلي، فدعوت وأنا مملوك، فرأيته دعا وبكى بكاء ولا تبكيه الثكلى فقلت في نفسي: هذا الذي تقولون: إنه غليظ.

- عن عبد الله بن شداد أنه قال: سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصف وهو يقرأ سورة يوسف: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ.

- عن سالم بن عبد الله أن ابن عمر قرأ: وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ. فدمعت عيناه فبلغ صنيعه ابن عباس فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن، لقد صنع كما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت، فنسختها الآية التي بعدها: لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ.

- عن شقيق بن سلمة قال: دخلنا على خباب نعوده فقال: في هذا التابوت ثمانون ألف ما شددتها بخيط ولا منعتها من سائل، فقالوا: علام تبكي؟ قال: مضى أصحابي ولم تنقصهم الدنيا شيئاً، وبقينا حتى ما نجد لها موضعاً إلا التراب.

- عن ابن أبي مليكة قال: رأيت عبد الله بن عمرو وهو يبكي، فنظرت إليه فقال: أتعجب أبكي من خشية الله، فإن لم تبكوا حتى يقول أحدكم: ايه، ايه، إن هذا القمر ليبكي من خشية الله تعالى. انتهى.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٥ ربيع الثاني ١٤٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>