للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[روايات ظهور الجن لبعض الصحابة]

[السُّؤَالُ]

ـ[يروى أنه وقع لأبي بن كعب عند النسائي وأبي أيوب الأنصاري عند الترمذي وأبي أسيد الأنصاري عند الطبراني وزيد بن ثابت عند ابن أبي الدنيا قصص ذكر فيها الجان، ففي حديث أبي بن كعب أنه كان له جرن فيه تمر وأنه كان يتعاهده فوجده ينقص فإذا هو بدابة شبه الغلام المحتلم فقلت له أجني أم إنسي قال بل جني، وفيه أنه قال له بلغنا أنك تحب الصدقة وأحببنا أن نصيب من طعامك، قال فما الذي يجيرنا منكم قال هذه الآية آية الكرسي، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال صدق الخبيث. وفي حديث أبي أيوب: أنه كانت له سهوة أي بفتح المهملة وسكون الهاء هي الصفة فيها تمر وكانت الغول تجيء فتأخذ منه فشكى ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إذا رأيتها فقل باسم الله أجيبي رسول الله فأخذها فحلفت أن لا تعود فذكر ذلك ثلاثا فقالت إني ذاكرة لك شيئا آية الكرسي اقرأها في بيتك فلا يقربك شيطان ولا غيره. الحديث، وفي حديث أبي أسيد الساعدي أنه لما قطع تمر حائطه جعلها في غرفة وكانت الغول تخالفه فتسرق تمره وتفسد عليه فذكر نحو حديث أبي أيوب سواء، وقال في آخره وأدلك على آية تقرؤها في بيتك فلا يخالف إلى أهلك وتقرؤها على إنائك فلا يكشف غطاؤه وهي آية الكرسي. أريد متنها ومدى صحتها، وجزاكم الله خيراً.

وقد قرأت لأحد المشايخ المعروفين أن الجن قادرون بإذن الله على أن يعاونوا أولياءهم على السرقة والطيران والمشي على الماء وأن لا يؤثر بهم طعن السيوف ولا ينزل الدم منهم مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أصدق البشر قال في الحديث بما معناه أن الشيطان لا يفتح بابا ولا يكشف غطاء الحديث ... فما تفسيركم لذلك الذي يعارض كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وهل نصدق ذلك أم أنه كلام لا أصل له. فأنا فهمت من كلام النبي عليه الصلاة والسلام أن الجن لا يقدرون على تحريك شيء مادي إلا إذا تمثلوا بشيء مادي كما في الحديث الصحيح الذي يرويه أبا هريرة وغيره من الأحاديث الكثيرة وهم يتلبسون ببعض الإنس ولا خلاف في ذلك ولكن لو كان ما ذكره الشيخ صحيحا لرأيت العديد من الناس هذا يسرق ماله وهذا يطير وهذا يمشي على الماء وآخر يسرق أموال الناس وهكذا، ولحصل ذلك في بلاد الكفار بصورة رهيبة لأن السحر عندهم متفش والسحرة يتعاونون مع الشياطين والناس هناك معظمهم كفار لا يتحصنون بالأذكار الواردة عندنا نحن المسلمون فما تفسيركم لذلك؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فحديث أبي بن كعب رواه ابن حبان في صحيحه والنسائي في السنن الكبرى ولفظه: أنه كان لهم جرن فيه تمر وكان أبي يتعاهده فوجده ينقص فحرسه فإذا هو بدابة تشبه الغلام المحتلم، قال: فسلمت فرد السلام، فقلت: من أنت أجن أم إنس، قال: جن، قال: فناولني يدك، فناولني يده فإذا يد كلب وشعر كلب، قال: هكذا خلق الجن، قال: لقد علمت الجن ما فيهم أشد مني، قال له أبي: ما حملك على ما صنعت، قال: بلغنا أنك رجل تحب الصدقة فأحببنا أن نصيب من طعامك، قال أبي: فما الذي يجيرنا منكم، قال: هذه الآية.. آية الكرسي، ثم غدا أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: صدق الخبيث. وقال الألباني صحيح.

وأما حديث أبي أيوب الأنصاري فقد رواه الحاكم وابن أبي شيبة والترمذي بلفظ: أنه كانت له سهوة فيها تمر فكانت تجئ الغول فتأخذ منه، قال: فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فاذهب فإذا رأيتها فقل بسم الله أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأخذها فحلفت أن لا تعود فأرسلها فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعل أسيرك، قال: حلفت أن لا تعود، فقال: كذبت وهي معاودة للكذب، قال: فأخذها مرة أخرى فحلفت أن لا تعود فأرسلها فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعل أسيرك، قال: حلفت أن لا تعود، فقال: كذبت وهي معاودة للكذب فأخذها، فقال: ما أنا بتاركك حتى أذهب بك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني ذاكرة لك شيئاً آية الكرسي اقرأها في بيتك فلا يقربك شيطان ولا غيره، قال: فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعل أسيرك، قال: فأخبره بما قالت، قال: صدقت وهي كذوب. قال هذا حديث حسن غريب وفي الباب عن أبي بن كعب. قال الترمذي: حسن غريب، وقال الشيخ الألباني: صحيح.

وأما حديث أبي أسيد الأنصاري فرواه الطبراني في معجمه الكبير بلفظ: له بئر بالمدينة يقال لها بئر بضاعة قد بصق فيها النبي صلى الله عليه وسلم فهو يبشر بها ويتيمن بها قال: فلما قطع أبو أسيد تمرة حائطه جعلها في غرفة له فكانت الغول تخالفه إلى مشربته فتسرق تمره وتفسده عليه، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: تلك الغول يا أبا أسيد، فاستمع عليها فإذا سمعت اقتحامها يعني وجبتها، فقل: بسم الله حبسني رسول الله، فقالت الغول: يا أبا أسيد اعفني أن تكلفني أذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطيك موثقاً من الله أن لا أخالفك إلى بيتك ولا أسرق تمرك فأدلك على آية من كتاب الله فتقرأ بها على بيتك فلا نخالف إلى أهلك ولا نكشف غطاءه فأعطته الموثق الذي رضي به منها، فقالت: الآية التي أدلك عليها هي آية الكرسي ثم حكت استها تضرط فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه القصة حيث ولت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقت وهي كذوب. قال الهيتمي في مجمع الزوائد رواه الطبراني ورجاله وثقوا كلهم وفي بعضهم ضعف.

وأما حديث زيد بن ثابت فأورده السيوطي في الدر المنثور، فقال: أخرج ابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان وأبو الشيخ في العظمة عن ابن إسحاق قال: خرج زيد بن ثابت ليلا إلى حائط له، فسمع فيه جلبة فقال: ما هذا؟ قال: رجل من الجان أصابتنا السنة، فأردت أن أصيب من ثمارهم فطيبوه لنا، قال: نعم، ثم قال زيد بن ثابت: ألا تخبرنا بالذي يعيذنا منكم؟ قال: آية الكرسي.

وأما عن الجن وهل من الممكن أن يعينوا أولياءهم على السرقة فحديث أبي هريرة في الصحيحين صريح في أن الجن يسرقون، ولذا قال الحافظ في الفتح عند ذكره لفوائد الحديث: وإنهم يسرقون ويخدعون. وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: ٣٣٧٩٥، أن هذا في غير ما ذكر اسم الله عليه فانظر الفتوى المشار إليها وكذلك الفتوى رقم: ٣٧٨٨٥ ففيهما ما يزيل التعارض الذي توهمته، وأما المشي على الماء والطيران في الهواء فهذا ليس ببعيد فقد ورد عن بعض الصحابة الكرام أنهم مشوا على الماء وهذا كرامة كما قد يتمكن السحرة من فعل ذلك بمساعدة الشياطين، وانظر الفتوى رقم: ٥٣٦١٧، والفتوى رقم: ٣١٥٩٩، وكل ذلك لا يقع شيء منه إلا بمشيئة الله وإرادته سبحانه.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٤ رجب ١٤٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>