للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[مصير من يعمل أعمالا صالحة وأخرى سيئة]

[السُّؤَالُ]

ـ[سؤالي غريب بعض الشيء لكن هذا السؤال دوماً يدور برأسي وأريد أن أسأل عنه. سمعت أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأن هناك أدعيه من قالها أو أفعالا تدخل الجنة مثل قوله صلى الله عليه وسلم\" أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى\" وهناك أقوال وأعمال من قالها أو فعلها تحرم عليه الجنه مثل عقوق الوالدين، طيب سؤالي في حالة شخص ملتزم دوما ويتبع الافعال والأدعية التي تدخله الجنة وفي نفس الوقت قام بفعل أو قول يحرم عليه دخول الجنة فما مصير هذا الإنسان علما أنه كان والحمد لله يصلي ويصوم ويخاف الله في كل شيء ولكن هناك مايقوم به الإنسان دائما من غير علم به أو بدون قصد أو لضرورة الظرف الذي يمر فيه.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد وردت أحاديث كثيرة في فضل كفالة اليتيم منها الحديث الذي أوردته في سؤالك، ومنها ما أخرجه أبو يعلى عن أبي هريرة رفعه: أنا أول من يفتح له باب الجنة فإذا امرأة تبادرني، فأقول من أنت؟ فتقول: أنا امرأة تأيمت على أيتام لي. وأخرجه أبو داود من حديث عوف بن مالك رفعه: أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة: امرأة ذات منصب وجمال حبست نفسها على يتاماها حتى ماتوا أو بانوا. هذه الأحاديث قد قال أهل العلم إنها صالحة للاحتجاج، ولكنها مقيدة بأن يكون كافل اليتيم مؤمنا متقيا، فغير المؤمن لا حظ له في الجنة. ففي الصحيحين: إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة. وورد التقييد بالتقوى في رواية لأم سعيد عن الطبراني، قال: معي في الجنة كهاتين إذا اتقى.

وجاء النهي عن عقوق الوالدين وورد فيه وعيد شديد، ففي سنن النسائى ومسند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة منان ولا عاق ولا مدمن خمر. وكذا ورد الوعيد في معاصي أخرى، وكل ذلك ليس على إطلاقه، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني آت من ربي فأخبرني أو قال بشرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق.

وعليه؛ فالذي يعمل الأعمال الصالحة مثل كفالة اليتيم ونحوها لا يدخل الجنة إذا لم يكن مؤمنا. وقد يعذب قبل دخول الجنة على أعمال سيئة ارتكبها ثم يدخل الجنة بعد ذلك إن كان مؤمنا. وقد يدخل الجنة بالدرجة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث. والعاق لوالديه والعاصي لربه، قد يتوب من ذنوبه كلها قبل الموت فتغفر كلها، فقد أخرج ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وروى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. وقد يغفر الله له دون توبة إذا لم يمت مشركا بالله.

والحاصل أن من يفعل الخيرات والأعمال الصالحة، ويخلط معها الذنوب فإذا لم تبلغ المعاصي التي يمارسها درجة الشرك بالله، فإنه في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، ثم مصيره في النهاية إلى الجنة. وإن أشرك ولم يتب من الشرك فإن ذلك لايغفر. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {النساء: ٤٨} .

وما يقوم به الإنسان من غير قصد معفو عنه؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه. كما أن ما يفعله اضطرارا معفو أيضا، قال تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: ١١٩} . واعلمي أنه لايمكن القطع بأن الإنسان من أهل الجنة أو من أهل النار قبل أن تقف الخلائق بين يدي الله. ولا يستثنى من هذا إلا من أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك تحديدا.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٦ ذو القعدة ١٤٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>