للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[تفسير قوله تعالى (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه)]

[السُّؤَالُ]

ـ[لماذا فى سورة الإسراء: وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه، وليس ألزمناه عمله أو ذنوبه أوغير ذلك؟ وما هو الطائرالمقصود؟.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الطائر في قوله تعالى: وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ {الإسراء:١٣} .

قال فيه ابن جزي الكلبي في تفسيره: والطائر هنا العمل، والمعنى: أن عمله لازم له، وقيل: إن طائره ما قدر عليه وله من خير وشر، والمعنى على هذا: أن كل ما يلقى الإنسان قد سبق به القضاء، وإنما عبر عن ذلك بالطائر، لأن العرب كانت عادتها التيمن والتشاءم بالطير. اهـ.

وقال الشيخ الأمين الشنقيطي في الأضواء: في قوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة: وكل إنسان ألزمناه طائره {١٧/١٣} .

وجهان معروفان من التفسير:

الأول: أن المراد بالطائر: العمل، من قولهم: طار له سهم إذا خرج له، أي ألزمناه ما طار له من عمله.

الثاني: أن المراد بالطائر ما سبق له في علم الله من شقاوة أو سعادة.

والقولان متلازمان، لأن ما يطير له من العمل هو سبب ما يؤول إليه من الشقاوة أو السعادة.

فإذا عرفت الوجهين المذكورين فاعلم: أنا قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن الآية قد يكون فيها للعلماء قولان أو أقوال، وكلها حق، ويشهد له قرآن، فنذكر جميع الأقوال وأدلتها من القرآن، لأنها كلها حق، والوجهان المذكوران في تفسير هذه الآية الكريمة كلاهما يشهد له قرآن.

أما على القول الأول بأن المراد بطائره عمله: فالآيات الدالة على أن عمل الإنسان لازم له كثيرة جدا، كقوله تعالى: ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به.٤/١٢٣.

وقوله: إنما تجزون ما كنتم تعملون.٦٦/٧.

وقوله تعالى: يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه.٨٤/٦.

وقوله: من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها.٤١/٤٦.

والآيات بمثل هذا كثيرة جدا.

وأما على القول بأن المراد بطائره نصيبه الذي طار له في الأزل من الشقاوة أو السعادة: فالآيات الدالة علي ذلك أيضا كثيرة، كقوله: هو الذي خلكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن.٢/٦٤.

وقوله: ولذلك خلقهم. ١١٩/١١.

أي:للاختلاف إلى شقي وسعيد خلقهم.

وقوله: فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة.٣٠/٧.

وقوله: فريق في الجنة وفريق في السعير. ٧/٤٢.

إلى غير ذلك من الآيات.

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: فى عنقه.١٧/١٣.

أي: جعلنا عمله أو ما سبق له من شقاوة في عنقه، أي لازما له لزوم القلادة أو الغل لا ينفك عنه، ومنه قول العرب: تقلدها طوق الحمامة.

وقولهم: الموت في الرقاب.

وهذا الأمر ربقة في رقبته. اهـ.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٦ رمضان ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>