للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[ليس من العقوق رفض العمل في الأمور المحرمة]

[السُّؤَالُ]

ـ[لي عند سيادتكم بعض الأسئلة التي تؤرقني هذه الأيام كثيرا

فبعد أن هداني الله تعالى على أيدى سيادتكم

وبعد أن نويت إن شاء الله الحج هذه الأيام وفي انتظار التأشيرة

فهناك بعض الأسئلة التي أود من سيادتكم الاستفسار فيها بكل وضوح

نظرا لأنها أمور يوجد فيها اختلاف عند الذين أسألهم

أولا:إني من مواليد ١٩٧٤ وحاصل على بكالوريوس هندسة قسم ميكانيكا-هندسة الإسكندرية - عام ١٩٩٦

وكغيري من الشباب فلم أشتغل بهذه الوظيفة واشتغلت مع والدي فعنده مطبعة كبيرة هنا في طنطا

نقوم بطباعة كل شيء على ورق مثل المجلات والكتب والكراريس والكشاكيل والعلب وغيرها

ثم قام والدي بفتح مكتب لي لعمل التصميمات وفصل الألوان - أى عمل الافلام الاكلشيهات الخاصة

بهذه المطبوعات (والتي يأخذوها مني ثم يقومون بعد ذلك بالطباعة) منذ عام ١٩٩٨

والآن بعد أن فتح الله علي وأصبح عندي ١٣ مصمما وموظفا وأصبحت أعمل شغل مطبعة أبي ومعظم المطابع التي حولنا

يوجد ما يورقني هذه الأيام وهي نعمل أغلفة الكتب الخاصة بالمسيحيين

وكل الشغل الخاص بهم من كروت أربعين أوكتب خاصة بالكنيسة أو نتائج أو كتب القسيسين وغير

ذلك والمقصود هنا بشغل المسيحيين هو الشغل وليس الشخص يعنى كتب الدين المسيحي

فهذا هو الموضوع الأول أنا من داخلى لا أريد هذا الشغل ولكني أعمله من أجل مطبعة أبي والله يعلم ذلك

ولكني أجد نفسي غير راض عن ذلك في نفسي

وقد سألت أبي فطلب مني أن أفعله ولم أجد منه رفضا لذلك

وقد سألت بعض المشايخ فمنهم من قال إن هذا جائز ومنهم من قال إن هذا غير جائز مطلقا

فإني أريد من سيادتكم ردا قاطعا وكيفية تنفيذه هل يكون على تدريج أم يكون قاطعا

وكيف أقنع أبي في حالة الرفض

خاصة وإني سوف أقوم بالحج إن شاء الله هذه السنة ولا أريد أن أرجع إلى أي شيء يغضب الله بعد هذه الحجة

ثانيا: أقوم أيضا بعمل التصميمات الخاصة بعلب مصانع الدخان في مصر

(علب المعسل)

وأيضا لا أعملها لأي أحد غير مطبعة والدي

فما رأي سيادتكم في ذلك أيضا]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن العلماء اشترطوا لجواز عمل المسلم للكافر أن لا يعمل في شيء محرم كعصر الخمر ورعي الخنزير والتجسس على المسلمين، ومن ذلك أيضا أن لا يعمل لهم عملا يحصل منه تعظيم دينهم، كتغليف كتبهم الدينية، والكتب الخاصة بالكنيسة أو كتب القسيسين، فكل ذلك مما لا يجوز، لأنه إعانة لهم على دينهم وعقيدتهم الفاسدة، واعتراف بما هم عليه، وكما أن هذه لا يجوز العمل فيها، فإن العمل في التصميمات الخاصة بعلب مصانع الدخان لا يجوز أيضا، ففي كل من هذا وذلك تعاون على الإثم والمعصية، والله تعالى يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة: ٢) .

ثم اعلم أن فعلك هذا لا يبرره كونه من أجل مطبعة أبيك، فإن واجبك نحو أبيك أن تبره وتحسن إليه وتقوم بكافة حقوقه، وتطيعه في كل معروف يأمرك به، وأما إذا أمرك بمعصية، فلا طاعة له حينئذ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف. رواه الشيخان.

وروى أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وأما عن كيفية رفض هذا الأمر إذا جاء من الأب، فالأحسن أن يكون بالحكمة، كما أمر الله تعالى، حيث قال: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن ُ (النحل: ١٢٥) ، فتبدأ أولا بتعريفه الحكم الشرعي في الموضوع، ثم تذكره بوجوب طاعة الله وحرمة معصيته، وأن هذه النعمة التي أنعم الله عليكم بها تستوجب منكم الشكر، ومن تمام شكر النعمة أن تصرف في طاعة الله، ويُنأى بها عن معصيته، وفي ذلك وعد سبحانه وتعالى بالزيادة في الإنعام. قال: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم ْ (ابراهيم: ٧) فإذا يئست من إصغائه لذلك وعرفت أنه لا يقبله بحال من الأحوال، كان من حقك ومن واجبك أن ترفض العمل في الأمور المحرمة رفضا باتا، وليس ذلك حينئذ من العقوق، بل ستكون مثابا عليه إن شاء الله.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٧ ذو الحجة ١٤٢٤

<<  <  ج: ص:  >  >>