للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[سر رؤية العصاة القبائح حسنة]

[السُّؤَالُ]

ـ[لدي سؤال وهو ـ لماذا يحس بعض المسلمين بالراحة النفسية والاطمئنان لما يقومون به من أعمال وهي منافية لما جاء في الكتاب والسنة؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن المخالف للكتاب والسنة لا يشعر بالطمأنينة ألبتة ما دام في قلبه حياة، سواء كانت مخالفته بالمعصية أو بالبدعة. قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه: ١٢٤} . ولكنه إذا تمادى في المخالفة ولم ينزجر طفئ نور قلبه، ووقع في مكر الله تعالى فيزين له سوء عمله. قال تعالى: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ {فاطر: ٨} . وقال تعالى: أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ {محمد: ١٤} . وقال تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَا لًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا {الكهف: ١٠٣-١٠٤} . وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكاثر الذنوب تصير صاحبها من الغافلين المتبعين لأهوائهم. قال صلى الله عليه وسلم: تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين؛ على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه. رواه مسلم عن حذيفة.

قال بعض السلف: الذنب على الذنب حتى يعمى القلب، فيموت، وبذلك ينسلخ من القلب استقباح المعاصي فتصير له عادة، فلا يزال العبد يرتكب المعاصي حتى تهون عليه وتصغر في قلبه. وقال ابن مسعود: إن المؤمن يرى ذنبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا. رواه الترمذي. وقال أنس: إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر كنا لنعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات. وقال ابن القيم في مدارج السالكين: فإن اتباع الهوى يطمس نور العقل، ويعمي بصيرة القلب، ويصد عن اتباع الحق، ويضل عن الطريق المستقيم، فلا تحصل بصيرة العبد معه ألبتة، والعبد إذا اتبع هواه فسد رأيه ونظره، فأرته نفسه الحسن في صورة القبيح، والقبيح في صورة الحسن، فالتبس عليه الحق بالباطل. اهـ. وللفائدة راجع الفتوى رقم: ٢٦٥٤٩.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٨ محرم ١٤٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>