للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[من قال: إذا أخذت شيئا من تركة أبي تكون وقفا]

[السُّؤَالُ]

ـ[والدي طلق والدتي من عام ١٩٧٥، وأنا ولدت سنة ١٩٧٢ وكنا لا نراه إلا قليلا جدا فهو غير مسئول عنا في أي شيء، فهو متزوج وعند امرأته بنت رباها ودرسها، وأصبح مسؤولا عنها ونسي أولاده السبعة، فمن أربع سنوات ذهب للحج وبدأ يحضر عندنا مرة في الشهر ثم في كل ثلاثة أشهر، ثم في كل خمسة أشهر وهكذا، وكنا نتكلم على الهاتف ونتشاجر مع امرأته وابنتها وجلس عندنا شهرا أو أكثر وهنا بدأ يتحدث عن ابنتها بأنه بعد هذه التربية رفعت النعل عليه وكانت تؤذيه وكان يحاول أن يرجع لوالدتي، تخيل بعد أربعة وثلاثين عاما من العذاب، الله يعلم كم تعذبت أمي في تربيتنا، طبعاً رفضت وأنا أيضاً لم أتقبل هذه الفكرة، أنا آسفة إذا قلت لك أني كنت أخجل من أجلس وحدي معه لأني لا أحس أنه أبي إلا بالهوية، لكن من الواجب علي احترامه ومساعدته، وبعد عودته لمنزله أخذ يطلب مني أن أذهب إليه وأنظف منزله الذي تسكن به امرأته قلت له: أبي على رأسي أخدمك مجبرة لكن أخدم زوجتك وابنتها آسفة، اسكن في أي منزل مؤجر وأنا وأخوتي مجبرون علي خدمتك، طلب من بقية إخوتي هذا الطلب لكن لم يقبل أحد منهم، وكان الجواب نفسه، مع العلم أن وضعهم المادي جيد وأكثر، وانتهى الموضوع واقتنع وأخذ يطلب منا الأشياء الخاصة به واستمراتصالنا بالهاتف، وآخر فترة كل اتصال كان يحاول أن يبغضني بأمي وجدتي وأنا أدافع عنهم وأعطيه أدلة على غلطه، تخيل أمي زوجت إخوتي وآخر أخ زوجته باعت آخر قطعة أرض كي تشتري منزلا له، ونقص المبلغ ثلاثمائة ألف فطلبت من أبي أن يساعده فقال: ليس معي شيء، كانت أول طلب منه وآخر طلب، لم أتجرأ على طلبه إلا بعد أن عرفت أنه باع قطعة أرض وقبض مبلغ تسعمائة ألف، قال لنا عمي -والحمد الله- لم نحتجه ودبرنا المبلغ وبقينا على اتصال به، وقام بمحاولته تبغيضنا بوالدتنا على الرغم أنهم تزوجوا بعد قصة حب وما زالت رسائله لها موجودة، أمي ضحت لأجلنا بكل شيء بالمال والعمر، كانت موظفة صباحاً وتأتي للمنزل بعمل إضافي على الآلة الكاتبة وغيرها من أعمال، فكانت تكفينا ماديا ومعنويا لوحدها دون وجود مساعدة إلا من جدتي، فكان أبي لا وجود له إلا على الهوية -أتعبتك- وبالنهاية كان لأبي اتصال بأختي الكبيرة وأخبرها أنه سوف يحضرعندها فاستعددت لاستقباله، وكان متشاجرا مع زوجته وابنتها، لكن للأسف لم يأت فقد أخذ الله أمانته، هنا بكيت وبكيت، لا أعرف بكيت على نفسي، كان لي أب ولم يكن، أم بكيت عليه لأنه لم يشعر بطعم الأبوة. المهم بإذن واحد أحد قمنا بواجبه وتمنينا أن يغفر الله لنا وله.

والسؤال: أصبح له عام متوفى وأنا لا أريد أن أخذ أي ليرة منه مع العلم أني بحاجة لكن أقول: الذي لم يعطنا في حياته، كيف نأخذها بعد وفاته، وكنت أقول: إذا أعطتنا زوجته أي شيء حصتي تكون للأوقاف هذا صحيح أم لا؟

لقد دمرني يمكن أنا حساسة زيادة عن اللزوم فقد كرهني بالارتباط والتعامل مع الجنس الآخر فالجميع أنظر لهم بنفس النظرة طبعا أنا مسامحته بكل شيء.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمهما كان حال الوالد من الظلم والتقصير في حق زوجنه وأولاده، فإن ذلك لا يسقط حقه في البر والطاعة في المعروف.

أما عن سؤالك، فاعلمي أنه بمجرد موت والدكم قد أصبحت كل ممتلكاته حقاً لجميع ورثته الشرعيين بعد سداد ما كان عليه من الديون ودفع ما أوصى به من الوصايا، فنصيبك من تركته حق خالص قرره لك الشرع ونصيب فرضه لك الله تعالى، وليس هو عطاء من أحد حتى تتحرجي من أخذه.

أما عن قولك أنك إذا أخذت شيئاً من تركته تكون وقفاً، فإذا كنت تلفظت به بهذه الصيغة دون أي لفظ يفيد الإلزام والإيجاب، أو كان ذلك مجرد نية دون تلفظ فلا يلزمك شيء به، ولك أن تتصرفي في حصتك كما تشائين، وأما إذا كنت قد تلفظت بما يُشعر بالإلزام كقول: لله عليّ أو نحو ذلك، فذلك نذر يجب عليك الوفاء به، لكن إذا كان هذا المال هو كل ما تملكين فلا يلزمك الصدقة به كله، وإنما يكفيك التصدق بثلثه.

قال ابن قدامة: ولو نذر الصدقة بكل ماله فله الصدقة بثلثه ولا كفارة عليه؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي لبابة حين قال: إن من توبتي يا رسول الله أن أنخلع من مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجزيك الثلث. انتهى الشرح الكبير لابن قدامة.

أما عن كون أخذك للتركة أو تركك لها يؤذي والدك، فلا أثر لذلك عليه، لكن ينفعه إن تصدقت عنه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال يا رسول الله: إن أمي توفيت وأنا غائب عنها أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال: نعم، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها. رواه البخاري.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٥ ربيع الأول ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>