للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الغيرة على حدود الله وعلى الزوج وخطورة التبرج والاختلاط]

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا زوجة أخاف الله وأم لأولاد وبنات وقد ابتلاني الله بالعيش في بلد تدعي أنها إسلامية، ولكنها بعيدة كل البعد عن الإسلام، بل ابتلاها الله بفتنة ـ من وجهة نظري ـ بسبب بلاء أي مجتمع وسقوطه في هوة الفقر وغضب الله ألا وهي فتنة النساء والاختلاط والسفور والفجور في كل مجال من مجالات الحياة حتى صار هذا منوال الحياة الطبيعي، وأنا ـ والحمد لله ـ مدركة لخطورة هذه المشكلة فأجاهد نفسي بالبعد عن الشبهات فلا أخرج إلا للضرورة بالاحتشام وغض البصر ـ ثبتني الله ـ ومشكلتي ـ أيها الفاضل ـ أن الله أكرمني بالعيش في بلد إسلامي آخر لمدة عامين، ولكنها علي العكس تطبق شريعة الله كما أمرنا, فتنعمت خلال هاتين السنتين بأهنإ عيشة مع زوجي من الهدوء والحب ونزول بركة الله منذ خمسة عشر عاما, فكان لا يري غيري ولا أري غيره وبعيد كل البعد عن الفتن، حيث إن عمله غير مختلط وإن حدث أي كلام مع إحدي الزميلات يكون في أضيق الحدود وكما أمر الله, مع الالتزام بالصلاة في المساجد وقراءة القرآن، ولكن ـ للأسف ـ بعد عودتنا إلي بلدنا الأم ـ آسفة علي هذا اللفظ ـ ركب زوجي الموجة وأصبحت أتشاجر معه بسبب تهاونه في الضحك مع هذه وتبادل الرسائل مع هذه والمكالمات التليفونية مع المتبرجة هذه الذي يأتي عطرها علي بعد أمتار بحجة أن هذا عمله وطبيعة عمله تفرض عليه ذلك التعامل حتى ينفق علي وعلى أولادي, وطبعا يرجع إلى منزله فيجدني أقوم بالأعمال المنزلية ورعاية الأولاد ويقوم بالمقارنة التي ليست في صالحي حتى أحسست أنني أصبحت عليه كالشرطي مرة أذكره بالله ومرة أصمت وأذكر الله ومرة لا أستطيع التحمل فأتشاجر معه وأقول له، هل تقبل هذه التصرفات من زوجتك مع رجل آخر؟ فيقول لا, فأرد عليه لماذا ترضاها علي نساء الآخرين؟ ولا نصل إلي شيء وفي آخر المطاف غير بالتستر عني بهذه الأعمال ـ وآسفة للإطالة ـ وسؤالي هو: هل النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات عندما يفتن زوجي وأزواج الأخريات بالتبسط والضحك والنظر المحرم نوع من أنواع ظلم الإنسان لأخيه الإنسان وسو ف يقتص منه، لأنة كما تدين تدان وسوف يأتي عليها يوم تعاني مما أعاني منه؟ وأخشي علي نفسي فلا أعلم، هل هذه الغيرة علي حدود الله؟ أم علي زوجي؟ أم على الاثنين؟ وهل هذا شيء محمود؟ أم مذموم؟ وما هو الدعاء الذي أدعو به ليشفيني الله مما أنا فيه؟ حيث إن زوجي يتهمني بأنني مريضة.

هدي الله نساء المسلمين جميعا.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فبارك الله فيك وجزاك خيراً على غيرتك على محارم الله وحرصك على الستر والاحتشام، فذلك من دلائل الاستقامة وسلامة الفطرة ومقتضيات الصدق في محبة الله ورسوله، وكلّ ذلك من فضل الله عليك ونعمته فاشكري الله قلباً وعملاً ولساناً، واعلمي أنّ غيرتك على حدود الله وغيرتك على زوجك كلاهما محمود ما دام لم يخرج عن حدّ الاعتدال، ولمعرفة الغيرة المحمودة والمذمومة راجعي الفتوى رقم: ٧١٣٤٠.

ولا يخفى أنّ تبرج النساء ومخالطتهنّ للرجال على الوضع الشائع في هذه المجتمعات، من أعظم المفاسد ومن أشدّ الأمراض التي تفت في عضد الأمة وتنخر في عظامها، كما أنّ النساء اللاتي يخرجن متبرجات ويفتنّ الرجال إثمهن عظيم، فقد قال فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا. صحيح مسلم.

وعَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا اسْتَعْطَرَتِ الْمَرْأَةُ فَمَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِىَ كَذَا وَكَذَا ـ وعند النسائي: فهي زانية.

قال المباركفوري: لأنها هيجت شهوة الرجال بعطرها وحملتهم على النظر إليها، ومن نظر إليها فقد زنى بعينيه فهي سبب زنى العين فهي آثمة.

فالواجب عليك مداومة نصح زوجك برفق وحكمة بالحرص على التزام حدود الله واجتناب مواضع الفتن ومواطن الريب مع الاعتصام بالله، أمّا عن الدعاء فلا نعلم دعاء مخصوصاً في الشرع لمثل حالك، لكن الدعاء ينفع بإذن الله في كل مطلوب مشروع، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:٦٠} .

واعلمي أنّ أعظم ما يعينك على شفاء صدرك وطمأنينة نفسك: كثرة الذكر، فإنّ للذكر أثراً عظيماً يغفل عنه كثير من الناس، وانظري في فوائد الذكر الفتوى رقم: ٩٥٥٤٥.

كما ننصحك ـ أيتها الأخت الفاضلة ـ بالاعتناء بالتجمل لزوجك وحسن التبعل له حتى يجد منك ما يغنيه عن التطلع إلى النساء، نسأل الله تعالى أن يصلح سائر شؤونك.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٠٩ ذو القعدة ١٤٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>