للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[شروط جواز المظاهرات]

[السُّؤَالُ]

ـ[بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة الشيخ حفظكم الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

افتونا مأجورين:

الجالية الإسلامية عندنا في جنوب السويد قررت أن تقوم بمظاهرة تضامناً مع الشعب الفلسطيني على أن تكون المظاهرة سلمية لإيصال صوت المسلمين الى الحومة السويدية للضغط من أجل إيقاف المجازر في حق أطفال الشعب الفلسطيني فما حكم مثل هذه المظاهرات ونحيطكم علماً أن مثل هذه المظاهرات لها دور كبير وفعال لإيصال صوت المسلمين الى السياسين للضغط على حكومة الصهاينة من أجل ايقاف المجازر في حق الاطفال في فلسطين.

افتونا جزاكم الله خير الجزاء]ـ

[الفَتْوَى]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد

فبارك الله فيكم على مشاعركم النبيلة، وعاطفتكم الإيمانية، وحرصكم على التزام أحكام الشرع في المنشط والمكره.

أما ماسألتم عنه من رغبتكم القيام بمظاهرة تضامنا مع إخوانكم في فلسطين فإننا نقول:

إن هذه المظاهرات وغيرها من طرائق التعبير عن الرأي، وقنوات التأثير على الآخر هي وسائل يتوصل بها إلى غايات، وليست غاية في ذاتها. وما كان على هذا النحو فإنه ينظر إليه من جهتين:

الأولى: من جهة الوسيلة المستخدمة في التعبير عن الغرض، المتوصل بها إلى الغاية، هل هي مأمور بها شرعا، أم مباحة، أم ممنوعة.

ـ فإن كان مأمورا بها فلا شك في جواز استخدامها، وذلك مثل المشي لشهود الصلاة في المسجد مع جماعة المسلمين، أو السعي في طلب الرزق أو زيارة الأقارب والأرحام أو في الدعوة إلى الله.. ونحو ذلك.

ـ وإن كانت الوسيلة ممنوعة، فإن كان منع تحريم فإنه يحرم اتخاذها أو التوصل بها إلى أي غاية، حتى وإن كانت الغاية مطلوبة شرعا، وذلك كمن يسرق ليتصدق، أو يودع ماله بفائدة بنية التبرع بهذه الفائدة في المشاريع الخيرية، أو ينشىء مشروعا سياحيا في بلاد المسلمين، تمارس فيه الرذيلة ويباع فيه الخمر ويجلب إليه العاهرات.. بغرض التجارة.. ونحو ذلك، فهذا ونحوه لايلتفت فيه إلى الغاية، لأن الطريق الموصل إليها ممنوع في ذاته.

وإن كانت ممنوعة منع كراهة فإنه يكره اتخاذها تبعا لذلك.

ـ وإن كانت الوسيلة مباحة، فهذه مسألة اختلفت فيها أنظار أهل العلم بين مجيز ومانع.

ومستمسك المانعين أنهم جعلوا الوسائل تعبدية، فلا يتجاوز فيها المنصوص أو المقيس عليه.

والصواب إن شاء الله تعالى أن الوسائل، وهي الطرق إلى المقاصد غير منحصرة، وأنها تأخذ حكم مقاصدها، وأن النظر في الوسائل يكون من جهة: هل هي ممنوعة أولا. وليس: هل هي مأمور بها أو لا.

أي أننا في باب الوسائل ننظر: هل نهى الشارع عن هذه الوسيلة أو لا، ولانحتاج إلى البحث في: هل أمر بها الشارع أو لا. بل يكفي في الوسائل أن يكون الشارع قد أباحها أو سكت عنها.

الثانية: من جهة المقاصد، وذلك أننا لانحكم للوسائل ـ على التفصيل السابق ـ بحكم منفصل عن الغاية المقصودة من ورائها، لأنه قد تقرر أن الوسائل لها أحكام المقاصد. فإذا كان القصد مطلوبا شرعا، والغاية مأمورا بها من حيث هي، فإنه يشرع التوصل والتوسل إليها بكل وسيلة غير ممنوعة شرعا.. فنصرة المسلم المظلوم مطلوبة شرعا. قال تعالى: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر) وقال عليه الصلاة والسلام: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) متفق عليه. فكل وسيلة قديمة أو مستحدثة غير ممنوعة شرعا، يغلب على الظن أنها تحقق المقصود، وهو النصرة ورفع الظلم أو تخفيفه، فإنها جائزة، بل مأمور بها، بحسب مالها من أثر.

ومعلوم أن الشعوب لها طرائق مختلفة في التعبير عن آرائها، والشرع لايمنع من استخدام تلك الطرائق، ولا يحصر معتنقيه على وسائل بعينها، وليس مع من ادعى ذلك حجة نقلية ولاعقلية، بل مقاصد الشرع وقواعده، ووقائع تاريخ المسلمين في الصدر الأول تشهد بخلاف ذلك.

إذا تقرر هذا فإننا لانرى مانعا من تنظيم المظاهرات والاحتجاجات على المذابح التي يتعرض لها إخواننا في فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين، فإن هذا أضعف الإيمان وأقل الواجب. والله المستعان. وهو حسبنا ونعم الوكيل. والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٧ ذو الحجة ١٤٢٢

<<  <  ج: ص:  >  >>