للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[الرد على الشاك في وجود الله سبحانه وتعالى]

[السُّؤَالُ]

ـ[جزاكم الله خيراً على ما تقومون به لصالح الأمة، حكايتي مع زميل لي في الدراسة كنت قد لاحظت عدم قيامه بالصلاة فنصحته مراراً وفي كل مرة يرد السبب إلى الكسل، المهم صارحني مرة فقال لي متحدثا عن نفسه أنا لا أكاد أظلم أحداً أبداً، كما أنه ابتلاني بأشياء كثيرة لا تعلمها أنت (وفي هذه أنا معه فهو شديد الانطواء على نفسه ولا يكلم أحداً ولا يمس أحداً بسوء أو بغيبة) ، في حين أن كثيراً من المصلين تراهم يغتابون ويهرجون ولم تنفعهم صلاتهم، وما دام من صفات الإله العدل فهو حتما سيعطيني حقي وسيجزيني أحسن من أولئك الذين يصلون، فناقشته في ذلك موضحا له أن رأيه بعيد عن الصواب فكيف أترك الصلاة لا لشيء إلا لأن الآخرين لا تنهاهم صلاتهم عن المنكر فهذا رأي أقرب ما يكون إلى الغباء، وبقينا نتناقش حتى دخلنا في موضوع جديد وهنا الطامة الكبرى فقد قال لي نحن نؤمن بالله فنفترض أنه موجود فإن كان موجوداً فقد ربحنا لأنا آمنا به وإن لم يكن موجوداً فإننا لم نخسر شيئا، فقلت له هذا ليس بإيمان فالإيمان يستوجب الاعتقاد المطلق بوجود الله من دون شك، ولكنه لم يقتنع، فكيف يمكن إقناعه وهل كلامه كفر بالله، أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن وجود الله جل جلاله أمر فطري تشهد به الآيات الشرعية والآيات الكونية ويقر به العقل السليم، ولا يصح إيمان أحد حتى يجزم بوجود الله جل جلاله، وأنه خالق الكون ومدبره، وأنه الإله الحق الذي لا يعبد غيره سبحانه وتعالى، ويقال للشاك في ذلك:

١- كل مخلوق لا بد له من خالق، لأن المخلوق لا يمكن أن يخلق نفسه ولا أن يخلق غيره، فلا بد له إذن من خالق موجد له وهو الله جل جلاله، قال الله تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ* أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ {الطور:٣٥-٣٦} .

٢- انتظام سير السفينة والسيارة وغيرهما لا يكون إلا بمدبر لها، فهذا الكون المنظم بشمسه وقمره لا يكون إلا بمدبر له، ولا أحد يستطيع أن يقول إنه هو المدبر له، ولذلك لما ناظر نبي الله إبراهيم الخليل النمرود قال له: فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {البقرة:٢٥٨} ، ويحكى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أن قوماً من أهل الكلام أرادوا البحث معه في تقرير توحيد الربوبية، فقال لهم: أخبروني قبل أن نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة تذهب فتمتلئ من الطعام والمتاع وغيره بنفسها وتعود بنفسها فترسي بنفسها وتفرغ وترجع كل ذلك من غير أن يدبرها أحد، فقالوا هذا محال لا يمكن أبداً، فقال لهم إذا كان هذا محالاً في سفينة فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله. وتحكى هذه الحكاية أيضاً عن غير أبي حنيفة رحمه الله.

وفي القرآن الكريم: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {فصلت:٥٣} ، وسأل الأصمعي أعرابياً قائلاً: بم عرفت ربك؟ فأجاب بقوله: البعرة تدل على البعير، وآثار الأقدام على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على اللطيف الخبير.

فمنكر وجود الله مكابر للعقل والحس والفطرة والأديان ومتبع لهواه، وقد بينا الدلائل على وجود الله في الفتوى رقم: ٢٢٢٧٩، فحاول أن تنقذ هذا الشخص مما هو فيه من الشك والحيرة، وبين له الأدلة التي ذكرنا في الجواب عسى الله أن ينفعه بك.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٣ جمادي الأولى ١٤٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>