للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[حاول الجمع بين بر أبويك، وتلطف في معاملة أمك]

[السُّؤَالُ]

ـ[أبي وأمي منفصلان وحدث ذلك مرتين مرة كان عمري سنة والأخرى وعمري ١٠ سنوات والأخيرة كانت الأبدية حيث جلست أمي ولم تتزوج وكانت مدرسة وقامت بتربيتى وأخي أما أبي فقد تزوج وأنجب أختا لي لكنه كان مقترا ماديا بشكل كبير وكانت المادة غير متوفرة علما بأنه كان في فترتي الطلاق يعمل بالخارج بالإضافة لوجود أموال لديه من إرث أو ماشابة المهم أنه مقتر ماديا لدرجة أرسلت له مالا٥٠٠ لتحسين صورته أمام أخي ليعطيه إياه كأنه منه وعسى أن يحرك ذلك عواطفه وجدت أبي أعطى أخى المال وأضاف عليه ٢٠ جنيها فقط وعاطفيا حتى مع أخى أكثر مني مثلا ممكن أن يعنفه بشكل قاس لمجرد طلبه مالا يحتاجه للدراسة مما علمني وأخي أن لا نطالب أمي بشيء كملابس وخلافه حتى لا نثقل عليها فقد كان كل واحد منا يفضل الآخر على قطعة جبن أخيرة بالثلاجة حتى تتعفن ولا يأكلها أحد من قلة المال الخلاصة أبي وأمي يعيشان ببلد مختلف وأنا أعمل بالخارج ولا أريد أن أفعل شيئا يغضب الله وأمي أقرب لقلبي لما فعلته وبما أمرنا الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام لكن أبي لا أريد أظلمه بشيء يفعله معي أبنائي مستقبلا وأحاسب عليه أمام الله مثلا عند زيارتي له ببلدة في آخر إجازة لي لمدة أقل من يوم غضبت أمي وانقلبت الإجازة لجحيم ولم أستطع الاستمتاع علما بأن أمي لديها أصدقاء ببلد أبي وستعرف مكان وصولي حيث إنني وقت رجوعي من الإجازة تلازمني بشكل كبير اشتياقا لي وأبي مريض ولا يستطيع السفر كثيرا فماذا أفعل؟

هل إن لم أذهب لأبي وقمت بمحادثته ليدرك موقفى كاف، لكن هذا سيلقي بالذنب على كتف أمي، ماذا أفعل؟

لدي سؤال آخر:

أمي أشعر بمعاملتها لأخي مختلفة عني حيث إنه حاد الطباع قوي الشخصية معها بعكسي تماما وأخاف على مشاعرها لأقصى الحدود فمن الممكن أن أقبل شيا لا يقبل فعله ومع هذا أجد ردود أفعالها معي متناقضة مثلا ردى أو اتخاذي موقفا مع أهل أمي يكون رد فعلها معي التعنيف ومع أخي لا أجد أي ردود فعل ماذا افعل؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجزاك الله خيراً على حرصك على بر والديك ومعرفة حدود الشرع في التعامل معهما.

أما عن سؤالك ... فلقد أحسنت أمك حين صبرت على فراق زوجها، وبذلت جهدها في تربية أولادها، ولها بذلك الأجر العظيم عند الله إن كانت قصدت بذلك وجه الله.

وما ذكرته عن والدك من التقتير في الإنفاق عليكم -إن كان له مال ينفق به عليكم وكنتم فقراء- وسوء معاملته هو سلوك ذميم وخلق غير قويم، لكن ذلك لا يسقط حقه عليك في البر ولا يسوغ مقاطعته أو الإساءة إليه، قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ &٦١٤٧٦; وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ لقمان {١٤-١٥}

وأما أمك فإن حقها عليك أعظم وآكد، فعليك أن تجتهد ما استطعت في برها والإحسان إليها بكل وسيلة مشروعة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَال: َ ثُمَّ مَنْ؟ قَال: َ ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَال: َ ثُمَّ أُمُّكَ. قَال: َ ثُمَّ مَن؟ ْ قَال: َ ثُمَّ أَبُوكَ. رواه مسلم.

-أما كون أمك تغضب إذا علمت أنك ذهبت لزيارة أبيك، فإذا أمكنك أن تنصحها برفق وتذكرها بما أمر الله به من طاعة الوالد وتحريم عقوقه ومن ذلك قطع رحمه، فذلك الأولى والأفضل، وإن أصرت على منعك من زيارته، واستطعت أن تزوره دون علمها، فافعل، وابذل جهدك في الجمع بين برهما، واستعمل في سبيل ذلك ما يمكنك من الحيل المشروعة، والفطنة والحكمة مع الاستعانة بالله عز وجل والإلحاح في الدعاء.

-أما ما ذكرته من تفريق أمك في المعاملة بينك وبين أخيك، فقد يكون ذلك توهماً منك أو تفسيراً خاطئاً لبعض المواقف، فلا تترك مجالاً للشيطان لينزغ بينكم، قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا {الإسراء:٥٣}

وحتى لو فرض وجود هذا التفريق فإن هذا لا ينقص من حق أمك عليك شيئاً، ولا يبيح لك مقابلة ذلك بالإساءة، وإنما عليك بالتلطف في نصحها بالكلام اللين والدعاء لها.

وفقنا الله وإياك لما يرضيه.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٥ رجب ١٤٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>