للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[المرتد الذي يطبق عليه حد الردة]

[السُّؤَالُ]

ـ[نحن كمسلمين نسعى لنشر الإسلام في كل بقاع الأرض وهذا واجب شرعي علينا كأمة إسلامية وأحسب أنه أحد الأسباب التي شرع من أجلها الجهاد إذا منعنا من تبليغ دعوة الله للعالمين ولكن سألني أحدهم سؤالا وأرجو من فضيلتكم الرد عليه وهو هل يمكن أن نسمح نحن أيضا لغير المسلمين من أهل الكتاب أو من غيرهم بالدعوة إلى دينهم في بلادنا إذا كانت دعوتهم بغير إكراه أو إغراء كما يسمحوا لنا بالدعوة إلى الإسلام في الغرب أم لا؟

والسؤال الثاني: نحن نعرف أن حد الردة في الإسلام هو القتل ولكن هل يطبق هذا الحد أيضا على المسلم الذي ولد مسلما ولم يكن له الخيار في دخول الإسلام حيث إنني سمعت الدكتور محمد عمارة قد ذكر أن حد الردة لا يقام على المسلم المرتد الذي ولدمسلما وإنما يقام عليه إذا عاد إلى رشده بعد ذلك ودخل في الإسلام ثم ارتد مرة أخرى.

فهل هذا صحيح أم لا وجزاكم الله خيرا]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فعلى المسلم أن ينتبه إلى أن المقارنة بين الأديان وجعلها في مستوى واحد وكأنها كلها صواب وتدعو إلى شيء واحد هو في غاية الخطإ، فالدين الصحيح الذي ينجي في الآخرة ومقبول عند الله هو الإسلام.

قال تعالى: [وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ] (آل عمران: ٨٥) . وقال: [إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ] (آل عمران: ١٩) . وقال: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا] (المائدة: ٣) .

فنحن ندعو إلى الإسلام، لأن المتمسك بغيره ضال، ولأن الهداية لا توجد إلا فيه، فكيف نسمح في بلاد الإسلام لمن يدعو لإخراج الناس من النور إلى الظلمات، ومن الهدى إلى الضلال، إن ذلك لا يجوز ولو كان الفاعل لا يكره الناس ولا يغريهم.

٢ والردة إنما هي كفر المسلم الذي نطق بالشهادتين مختارا بعد البلوغ.

قال الدردير: الردة كفر المسلم المتقرر إسلامه بالنطق بالشهادتين مختارا.

وأما من ثبت له الإسلام لكونه مولودا من أب مسلم فقد اختلف فيما إذا كان يقتل إذا بلغ ولم يرض بالإسلام أم لا، فعند الأحناف والشافعية لا يقتل، قال الكرابيسي في الفروق وهو حنفي: من ثبت له حكم الإسلام بالدار أو بأحد أبويه ثم ارتد لم يقتل وحبس حتى يعود إلى الإسلام، ومن كان بالغا فأسلم بنفسه ثم ارتد قتل.

وقال الشافعي في الأم: فمن أقر بالإيمان قبل البلوغ وإن كان عاقلا ثم ارتد قبل البلوغ أو بعده ثم لم يتب بعد البلوغ فلا يقتل، لأن إيمانه لم يكن وهو بالغ، ويؤمر بالإيمان ويجهد عليه بلا قتل.

وأما المالكية فيفرقون بين الصغير والمجنون حين إسلام أبيه وبين المراهق، فيحكمون بإسلام الأولين، وبالتالي بقتلهما إذا أبيا الإسلام بعد البلوغ والإفاقة.

قال خليل: وحكم بإسلام من لم يميز لصغر أو جنون بإسلام أبيه فقط كأن ميز. قال الدردير: فيحكم بإسلامه تبعا لإسلام أبيه.. وفائدة الحكم بإسلام من ذكر أنه إن بلغ وامتنع من الإسلام جبر عليه بالقتل كالمرتد بعد البلوغ، وهذا بخلاف الذي هو في سن المراهق حين إسلام أبيه. قال خليل: إلا المراهق والمتروك لها فلا يجبر بقتل إن امتنع.

وللحنابلة قولان في المسألة، قال في المغني: وجملته أن الصبي إذا أسلم وحكمنا بصحة إسلامه لمعرفتنا بعقله بأدلته فرجع وقال: لم أدر ما قلت لم يقبل قوله، ولم يبطل إسلامه الأول، وروي عن أحمد أنه يقبل منه ولا يجبر على الإسلام.

والأصوب عندنا في المسألة أن الذي يحكم بإسلامه هو من نطق بالشهادة وأظهر الإسلام بعد بلوغه سن الخطاب لأنه قبل ذلك لم يكن ملزما بما يصدر عنه، وما استصوبنا رجحانه في المسألة ليس بعيدا مما نسبته لمن ذكر في السؤال.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

١٩ جمادي الأولى ١٤٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>