للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[تفسير: ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا]

[السُّؤَالُ]

ـ[هؤلاء الفقهاء الذين يحفظون القرآن (نسميهم الطلبة) ألا تنطبق عليهم الآية الكريمة (ولا تشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً) عندما يقبضون المال الذي يقدم إليهم في أي مناسبة يكونون مدعوين إليها، وأريد تفسيرا للآية؟ جزاكم الله خيراً.]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد سبق بيان حكم أخذ الأجرة على تلاوة القرآن وتعليمه بالتفصيل وأقوال أهل العلم في الفتاوى ذات الأرقام التالية: ٢٩٠، ٢٤٢٩٥، ٦٨٣١٤ وبإمكانك أن تطلع عليها وعلى ما أحيل عليه فيها.

وأما الآية المطلوب تفسيرها فإن اللفظ المذكور لم يرد في القرآن الكريم، ولعلك تقصد بها قول الله تبارك وتعالى: وَلَا تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ {البقرة:٤١} ، قال أهل التفسير: هذه الآية نزلت في اليهود ومعناها: لا تأخذوا عليه أجراً، وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول: يا ابن آدم، علم مجاناً كما عُلِّمت مجاناً، وقيل: لا تبيعوا ما آتيتكم من العلم بكتابي وآياته بثمن خسيس وعرض من الدنيا قليل. وبيعهم إياه تركهم إبانة ما في كتابهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم للناس، وأنه مكتوب فيه أنه النبي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل بثمن قليل، وهو رضاهم بالرياسة على أتباعهم من أهل ملتهم ودينهم، وأخذهم الأجر ممن بينوا له ذلك على ما بينوا له.

ومثل هذه الآية في المعنى وسبب النزول آية أخرى في سورة المائدة وهي قوله تعالى: فَلَا تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً {المائدة:٤٤} ، قال أهل التفسير: لا تأكلوا السحت على كتابي. وكل من كتم حكم الله الذي أنزله في كتابه وجعله حكماً بين عباده، فأخفاه وحكم بغيره، فهو كاليهود.

وهذه الآيات وإن كانت في اليهود فإن معناها يعم كل من فعل فعلهم فكتم حكم الله أو أخذ عليه رشوة ... لأن العبرة بعمموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر في علم الأصول.

وفي سورة النحل آية أخرى قريبة المعنى والمبنى من الآيتين وهي قوله تعالى: وَلَا تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، وتفسير الآية كما قال شيخ المفسرين الطبري: يقول تعالى ذكره: ولا تنقضوا عهودكم أيها الناس، وعقودكم التي عاقدتموها من عاقدتم مؤكديها بأيمانكم، تطلبون بنقضكم ذلك عرضاً من الدنيا قليلاً، ولكن أوفوا بعهد الله الذي أمركم بالوفاء به يثبكم الله على الوفاء به، فإن ما عند الله من الثواب لكم على الوفاء بذلك هو خير لكم إن كنتم تعلمون، فضل ما بين العوضين اللذين أحدهما الثمن القليل الذي تشترون بنقض عهد الله في الدنيا، والآخر الثواب الجزيل في الآخرة على الوفاء به.

والآية على هذا عامة في كل من يستبدل ما عاهد عليه غيره ونقض هذا العهد مقابل عرض من الدنيا الزائلة.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٣٠ ربيع الأول ١٤٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>