للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[حكم صلاة المرأة إذا انكشف جزء من شعرها أو رقبتها]

[السُّؤَالُ]

ـ[أعاني من الوسوسة في أمور الدين والحمد لله على كل حال

سؤالي هو ما حكم ظهور جزء بسيط من الرقبة والشعر في الصلاة بالنسبة للنساء.. فهذا يصعب التحرز منه؟ فمثلا عندما أصلي أكون متأكدة تماما من ستر شعري ورقبتي كل مع الصلاة والحركة تبدأ الطرحة بالانفكاك أي أنها لا تصبح على حدود الوجه تماما كما كانت بل تتسع قليلا خصوصا من الأسفل بحيث لو وقفت أمام المرآة لظهر جزء يسير من الرقبة والشعر.. وهذا يجعلني أضع طرحتين أو أفتش بشكل دوري خلال الصلاة لو طلع شيء حتى استره وهذا يشغلني عن الصلاة ... دوما عندما تبدأ الطرحة بالانفكاك اجمعها بحيث تصبح على حدود وجهي والباقي أضعه تحت ذقني لكن مع السجود أو الركوع تنفك هذه التجميعه لأني أحرك رقبتي فأعيد تجميعها من جديد ... وفي بعض الأحيان أكون سأسجد أو اركع فأقول في نفسي هذا الظهور على بال ما اسجد أو اركع قليل لذلك لا اجمع ... فما الحكم؟ وفي بعض الأحيان خصوصا في الركعات الأخيرة وتكون الطرحة اتسعت فأظل اجمع مع كل سجدة أو ركعة لكن قد أنسى فيظل جزء يسير ظاهر ... علما بأني لا أعيد لف الطرحة من جديد كما كانت بداية الصلاة خوفا أن يظهر جزء كبير خلال إعادة اللف لذلك ألجأ لتجميع المتسع أسفل الذقن وفي بعض الأحيان يروح عن بالي إعادة لف الطرحة أو استصعب ذلك وهذا الأمر يتكرر معي دائما بحيث أني أعيد صلاتي.. فهل يعفى عن هذا القليل وهل ظهور العورة وقتا واستتارها وقتا لا يضر بالصلاة مع العلم اني اعرف أنها تظهر ولكن ليست متعمدة بناءا على ما روي عن الشاب الذي أمّ بالرسول وصحابه وكلما سجد ظهرت عورته ولم يأمره الرسول عليه الصلاة والسلام بإعادة الصلاة؟]ـ

[الفَتْوَى]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فبالنسبة للوسوسة نسألُ الله أن يعافيكِ منها، واعلمي أنكِ إن شككت في ظهور شيءٍ من بدنك في الصلاة فالأصلُ عدمُ انكشاف هذا الشيء، وإذا كان ذلك وسواساً فلا تلتفتي إليه وانظري الفتوى رقم: ١١٢٥٠٢.

وأما إذا انكشفَ شيءٌ يسيرٌ من العورة في الصلاة فبادرَ المكلفُ بستره في الحال فالصلاة صحيحةٌ بالاتفاق.

قال الشيرازي في المهذب: وإن كشفت الريح الثوب عن العورة ثم رده لم تبطل صلاته. انتهى

وأما إذا انكشفَ شيءٌ يسيرٌ من العورة ولم يستره المكلف أو لم يبادر بستره، ففيه خلاف مشهور ومذهب الجمهور صحةُ الصلاةِ والحالُ هذه.

قال ابن قدامة رحمه الله في كتابه المغني: فَإِنْ انْكَشَفَ مِنْ الْعَوْرَةِ يَسِيرٌ. لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَبْطُلُ لأَنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْعَوْرَةِ , فَاسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ, كَالنَّظَرِ. وَلَنَا: مَا رَوَى أَبُو دَاوُد, بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَيُّوبَ, عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ قَالَ: انْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ , فَعَلَّمَهُمْ الصَّلاةَ, وَقَالَ: يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ. فَكُنْت أَقْرَأَهُمْ فَقَدَّمُونِي, فَكُنْت أَؤُمُّهُمْ وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي صَفْرَاءُ صَغِيرَةٌ, وَكُنْتُ إذَا سَجَدْتُ انْكَشَفَتْ عَنِّي, فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ النِّسَاءِ: وَارُوا عَنَّا عَوْرَةَ قَارِئِكُمْ. فَاشْتَرَوْا لِي قَمِيصًا عُمَانِيًّا , فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ بَعْدَ الإِسْلامِ فَرَحِي بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد, , وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا , عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ , عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ , قَالَ: {فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ فِي بُرْدَةٍ مُوَصَّلَةٍ فِيهَا فَتْقٌ , فَكُنْتُ إذَا سَجَدْتُ فِيهَا خَرَجَتْ اسْتِي} . وَهَذَا يَنْتَشِرُ وَلَمْ يُنْكَرْ , وَلا بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْكَرَهُ وَلا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ; وَلأَنَّ مَا صَحَّتْ الصَّلاةُ مَعَ كَثِيرِهِ حَالَ الْعُذْرِ , فُرِّقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فِي غَيْرِ حَالِ الْعُذْرِ , كَالْمَشْيِ , وَلأَنَّ الاحْتِرَازَ مِنْ الْيَسِيرِ يَشُقُّ , فَعُفِيَ عَنْهُ كَيَسِيرِ الدَّمِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ حَدَّ الْكَثِيرِ مَا فَحُشَ فِي النَّظَرِ. انتهى.

ورجحَ شيخُ الإسلام قول الجمهور وهو أن الصلاةَ لا تبطل بانكشافِ شيءٍ يسير من العورة، قال رحمه الله: إذا انكشف شيء يسير من شعرها وبدنها لم يكن عليها الإعادة، عند أكثر العلماء، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد.وإن انكشف شيء كثير، أعادت الصلاة في الوقت، عند عامة العلماء ـ الأئمة الأربعة، وغيرهم ـ والله أعلم. انتهى.

وعلى هذا فننصحكِ بأن تُشدي عليكِ ثيابكِ شداً وثيقاً بحيثُ لا تنحلُ في أثناء الصلاة فتستغني بذلك عن الحركة الكثيرة التي قد تشغلك عن الخشوع في الصلاة.

فإذا فعلت ذلك فلا تلتفتي لما يعرض لك من الوسوسة والشك في انكشاف شيء من العورة فالأصل أنه لم ينكشف وإنما يريد الشيطان أن يوقعك في الحرج والضيق فأعرضي عن تلك الوساوس جملة ولو قدر أن انكشف شيء من ذلك.

فإذا بادرتِ بستر ما ظهر من شعركِ أو رقبتك فصلاتكِ صحيحةٌ بلا شك، وإذا قصرت في ذلك أو لم تعلمي به حتى انقضت الصلاة، فصلاتك صحيحةٌ عند الجمهور، ولا تلزمكِ إعادتها وهو الذي نفتيكِ به، حتى يمن الله عليكِ بالشفاء من الوسوسة.

والله أعلم.

[تَارِيخُ الْفَتْوَى]

٢٤ ذو القعدة ١٤٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>